للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

«اصنع بها ما أحببت، وما كنت صانعًا بإبلك»، ونزل: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} (١).

قال الفضيل رحمه الله: والله لو يئست من الخلق حتى لا تريد منهم شيئًا، لأعطاك مولاك كلَّ ما تريد. وذكر إبراهيم بن أدهم عن بعضهم قال: ما سأل السائلون مسألة هي ألحلف من أن يقول العبد: ما شاء الله، قال: يعني بذلك التفويض إلى الله - عزَّ وجلَّ - وقال سعيد بن سالم القداح: بلغني أنَّ موسى عليه السلام كانت له إلى الله حاجه، فطلبها، فأبطأت عليه، فقال: ما شاء الله، فإذا حاجته بين يديه، فعجب، فأوحى الله إليه: أما علمت أن قولك: ما شاء الله أنجحُ ما طلبت به الحوائج.

وأيضًا فإن المؤمن إذا استبطأ الفرج، وأيس منه بعد كثرة دعائه وتضرعُّه، ولم يظهر عليه أثر الإجابة يرجع إلى نفسه بالملائمة، وقال لها: إنما أتيت من قبلك، ولو كان فيك خير لأجبت، وهذا اللوم أحبُّ إلى الله من كثير من الطاعات، فإنه يوجب انكسار العبد لمولاه واعترافه له بأنه أهل لما نزل به من البلاء، وأنَّه ليس بأهل لإجابة الدعاء، فلذلك تسرع إليه حينئذ إجابة الدعاء وتفريج الكرب، فإنِّه تعالى عند المنكسرة قلوبهم من أجله.

قال وهب رحمه الله: تعبَّد رجل زمانًا، ثم بدت له إلى الله حاجةٌ، فصام سبعين سبتًا، يأكل في كل سبت إحدى عشرة تمرة، ثم سأل الله حاجته فلم يُعطَها، فرجع إلى نفسه فقال: منك أتيت، لو كان فيك خير، أعطيت حاجتك، فنزل إليه عند ذلك ملكٌ، فقال: يا ابن آدم ساعتك هذه خيرٌ من عبادتك التي مضت، وقد قضى الله حاجتك.

وقال تعالى: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا


(١) سورة الطلاق، الآية: ٣.

<<  <   >  >>