للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشدة، واعلم: أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا» (١).

قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله: «ومن لطائف أسرار اقتران الفرج بالركوب واليسر بالعسر: أن الكرب إذا اشتدَّ وعظُم وتناهى، وحصل للعبد الإياس من كشفه من جهة المخلوقين، وتعلق قلبه بالله وحده، وهذا هو حقيقة التوكُّل على الله، وهو من أعظم الأسباب التي تطلب بها الحوائج، فإنَّ الله يكفي من توكل عليه، كما قال تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ ... قَدْرًا} (٢).

وروى آدم بن أبي إياس في "تفسيره" بإسناده عن محمد بن إسحاق قال: جاء مالك الأشجعي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: أُسر ابني عوفٌ، فقال له: أرسل إليه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمرك أن تكثر من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله، فأتاه الرسول فأخبره، فأكب عوف يقول: لا حول ولا قوَّة إلا بالله، وكانوا قد شدُّوه بالقِدِّ فسقط القِدُّ عنه، فخرج إذا هو بناقةٍ لهم فركبها، فأقبل فإذا هو بسرح القوم الذين كانوا شدُّوه، فصاح بهم، فاتبع آخرها أوَّلها، فلم يفاجأ أبويه إلا وهو ينادي بالباب، فقال أبوه: عوف وربِّ الكعبة، فقالت أمه: واسوأتاه، وعوف كئيب يألم ما فيه من القد، فاستبق الأب والخادم إليه، فإذا عوف قد ملأ الفناء إبلًا، فقص على أبيه أمره وأمر الإبل، فأتى أبوه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأخبره عوف وخبر الإبل، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:


(١) أخرجه الترمذي، كتاب: صفة القيامة والرقائق والورع عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، باب: منه، رقم ٢٥١٦، وقال الألباني: حديث صحيح، انظر: صحيح سنن الترمذي، الألباني ص ٥٦٦ - ٥٦٧، رقم ٢٥١٦.
(٢) سورة الطلاق، الآية: ٣.

<<  <   >  >>