للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يرفع إصره، ويضع ثقله. وإنه لأمر مؤكد يكرره بألفاظه: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا. إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} .. وهذا التكرار يشير بأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان في عسرة وضيق ومشقة، اقتضت هذه الملاحظة، وهذا التذكير، وهذا الاستحضار لمظاهر العناية، وهذا الاستعراض لمواقع الرعاية، وهذا التوكيد بكل ضروب التوكيد .. والأمر الذي يثقل على نفس محمد هكذا لا بد أنه كان أمراً عظيماً .. ثم يجيء التوجيه الكريم لمواقع التيسير، وأسباب الانشراح، ومستودع الري والزاد في الطريق الشاق الطويل: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} (١).

إن مع العسر يسرًا .. فخذ في أسباب اليسر والتيسير. فإذا فرغت من شغلك مع الناس ومع الأرض، ومع شواغل الحياة .. إذا فرغت من هذا كله فتوجه بقلبك كله إذن إلى ما يستحق أن تنصب فيه وتكد وتجهد .. العبادة والتجرد والتطلع والتوجه ... {وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} .. إلى ربك وحده خالياً من كل شيء حتى من أمر الناس الذين تشتغل بدعوتهم .. إنه لا بد من الزاد للطريق. وهنا الزاد. ولا بد من العدة للجهاد. وهنا العدة .. وهنا ستجد يسرًا مع كل عسر، وفرجًا مع كل ضيق.

وعن عبد الله بن عباس - رضي الله عنه - قال كنت خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومًا فقال: «يا غلام إنيّ أعلمك كلمات، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تُجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف».

وفي رواية: «احفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في


(١) سورة الشرح، الآيتان: ٧، ٨.

<<  <   >  >>