للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن القيم رحمه الله: «إن ابتلاء المؤمن كالدواء له يستخرج منه الأدواء التي لو بقيت فيه أهلكته أو نقصت ثوابه وأنزلت درجته فيستخرج الابتلاء والامتحان منه تلك الأدواء ويستعد به لتمام الأجر وعلو المنزلة ومعلوم أن وجود هذا خير للمؤمن من عدمه كما جاء عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «عجبًا لأمر المؤمن إنَّ أمره كلَّه خير وليس ذاك لأحدٍ إلا للمؤمن إن أصابته سرَّاء شكر فكان خيرًا له وإن أصابته ضرَّاء صبر فكان خيرًا له» (١).

فهذا الابتلاء والامتحان من تمام نصره وعزه وعافيته، ولهذا كان أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأقرب إليهم فالأقرب يبتلى المرء على حسب دينه فإن كان في دينه صلابة شدد عليه البلاء وإن كان في دينه رقة خفف عنه ولا يزال البلاء بالمؤمن حتى يمشي على وجه الأرض وليس عليه خطيئة» (٢).

ويشدد الإمام ابن القيم رحمه الله على ضرورة وأهمية الثقة بالله تعالى في تفريج الكربات لأن له الحول والقوة:

«فالحول والقوة التي يرجى لأجلهما المخلوق ويخاف إنما هي لله، وبيده في الحقيقة فكيف يخاف ويرجى من لا حول له ولا قوة بل خوف المخلوق ورجاؤه أحد أسباب الحرمان ونزول المكروه بمن يرجوه ويخافه فإنه على قدر خوفك من غير الله يسلط، عليك وعلى قدر رجائك لغيره يكون الحرمان، وهذا حال الخلق أجمعه وإن ذهب عن أكثرهم علماً وحالاً فما شاء الله كان ولا بد وما لم يشأ لم يكن ولو اتفقت عليه الخليقة.

فالتوحيد مفزع أعدائه وأوليائه فأما أعداؤه فينجيهم من كرب الدنيا وشدائدها قال تعالى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى


(١) أخرجه مسلم، كتاب: الزهد والرقائق، باب: المؤمن أمره كله خير، رقم ٧٦٩٢.
(٢) إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان، محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد الله ابن القيم الجوزية، تحقيق: محمد حامد الفقي ٢/ ١٨٨، ط/ ٢، دار المعرفة، بيروت: ١٣٩٥ هـ - ١٩٧٥ م.

<<  <   >  >>