للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التي تملك الغوث والنجدة، ويتجه الإنسان إلى الله ولو كان قد نسيه من قبل في ساعات الرخاء.

فهو الذي يجيب المضطر إذا دعاه. هو وحده دون سواه. يجيبه ويكشف عنه السوء، ويرده إلى الأمن والسلامة، وينجيه من الضيقة الآخذة بالخناق.

والناس يغفلون عن هذه الحقيقة في ساعات الرخاء، وفترات الغفلة. يغفلون عنها فيلتمسون القوة والنصرة والحماية في قوة من قوى الأرض الهزيلة. فأما حين تلجئهم الشدة، ويضطرهم الكدب، فتزول عن فطرتهم غشاوة الغفلة، ويرجعون إلى ربهم منيبين مهما كانوا من قبل غافلين أو مكابرين.

قال محمد الطاهر ابن عاشور رحمه الله: «ارتقى الاستدلال من التذكير بالتصرف الرباني في ذوات المخلوقات إلى التذكير بتصرفه في أحوال الناس التي لا يخلو عنها أحد في بعض شؤون الحياة وذلك حال الاضطرار إلى تحصل الخير، وحال انتياب السوء، وحال التصرف في الأرض ومنافعها، فهذه ثلاثة الأنواع لأحوال البشر. وهي:

حال الاحتياج، وحالة البؤس، وحالة الانتفاع.

الحالة الأولى: وهي حالة الاحتياج مضمنة في قوله {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} فالمضطر هو ذو الضرورة أي الحالة المحوجة إلى الأشياء العسرة الحصول، وهذه مرتبة الحاجيات فالمرء محتاج إلى أمور كثيرة بها قوام أوده ليست متصلة بذاته مثل الأقوات والنكاح والملابس اللازمة فالمرء يتطلبها بوجوده من المعاوضات، وقد يتعسر بعضها وهي تتعس بقدر وفرة منافعها وعزة حصولها فيسأل الله أن يعطيها.

والمعنى: أن المضطر إذا دعا لتحصيل ما اضطر إليه فإنه لا يجيبه إلا الله بقطع النظر عن كونه يجيب بعضاً ويؤخر بعضاً.

والحالة الثانية: وهي حالة البؤس هي المشار إليها بقوله {وَيَكْشِفُ السُّوءَ} والكشف: أصله رفع الغشاء، فشبه السوء الذي يعتري المضرور بغشاء يحول دون المرء ودون الاهتداء إلى الخلاص تشبيه معقول بمحسوس.

<<  <   >  >>