للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجدوه الصبر، ولهذا أثنى الله عليه به في قوله: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} فجعلوه أسوة وقدوة عندما يصيبهم الضر» (١).

٥ - أصحاب الغار الثلاثة: وقد أشار إليهم النبي - صلى الله عليه وسلم - فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «بينما ثلاثة نفر ممن كان قبلكم إذ أصابهم مطر، فأووا إلى غار فانطبق عليهم، فقال بعضهم لبعض: إنه والله يا هؤلاء لا ينجيكم إلا الصدق، فليدع كل رجل منكم بما يعلم أنه قد صدق فيه. فقال واحد منهم: اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي أجير عمل لي على فرق من أرز (٢). فذهب وتركه، وأني عمدت إلى ذلك الفرق فزرعته، فصار من أمره أني اشتريت منه بقراً وأنه أتاني يطلب أجره، فقلت له: اعمد إلى تلك البقر فسقها، فقال لي: إنما لي عندك فرق من أرز. فقلت له: اعمد إلى تلك البقر، فإنها من ذلك الفرق فساقها. فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك من خشيتك ففرّج عنا. فانساخت عنهم الصّخرة (٣).

فقال الآخر: اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت آتيهما كل ليلة بلبن غنم لي، فأبطأت عنهما ليلة، فجئت وقد رقدا؛ وأهلي وعيال يتضاغون من الجوع (٤). وكنت لا أسقيهم حتى يشرب أبواي، فكرهت أن أوقظهما، وكرهت أن أدعهما فيستكنا لشربتهما، فلم أزل أنتظر حتى طلع الفجر. فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك من خشيتك ففرج عنا. فانساخت عنهم الصخرة حتى نظروا إلى السماء.


(١) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي، تحقيق: د. عبد الرحمن بن معلا اللويحق، ص ٥٢٨.
(٢) الفرق: إناء يأخذ ستة عشر مدًا وذلك ثلاثة آصع وبعضهم يرويه بفتح الراء.
(٣) انساخ هنا بمعنى اتسع، يقال انساخ باله أي اتسع.
(٤) يتضاغون: يتضورون جوعا، ولعل الصواب بالعين أي يتضاعون يقول ابن منظور: وضاع يضوع وتضوع: تضور في البكاء في شدة، وقد غلب على بكاء الصبي.

<<  <   >  >>