للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقال الآخر: اللهم إن كنت تعلم أن كان لي ابنة عم من أحب الناس إلي، وأني راودتها عن نفسها فأبت إلا أن آتيها بمائة دينار، فطلبتها حتى قدرت فأتيتها بها فدفعتها إليها، فأمكنتني من نفسها، فلما قعدت بين رجليها فقالت: اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فقمت وتركت المائة الدينار. فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك من خشيتك ففرج عنا، ففرج الله عنهم فخرجوا» (١).

قال ابن حجر رحمه الله: وفي هذا الحديث استحباب الدعاء في الكرب والتقرب إلى الله تعالى بذكر صالح العمل واستنجاز وعده بسؤاله واستنبط منه بعض الفقهاء استحباب ذكر ذلك في الاستسقاء واستشكله المحب الطبري لما فيه من رؤية العمل والاحتقار عند السؤال في الاستسقاء أولى لأنه مقام التضرع وأجاب عن قصة أصحاب الغار بأنهم لم يستشفعوا بأعمالهم وإنما سألوا الله إن كانت أعمالهم خاصة وقبلت أن يجعل جزاءها الفرج عنهم فتضمن جوابه تسليم السؤال ولكن بهذا القيد وهو حسن وقد تعرض النووي لهذا وذكر هذا الحديث ونقل عن القاضي حسين وغيره استحباب ذلك في الاستسقاء ثم قال وقد يقال إن فيه نوعًا من ترك الافتقار المطلق ولكن النبي - صلى الله عليه وسلم - أثنى عليهم بفعلهم فدل على تصويب فعلهم وقال السبكي الكبير ظهر لي أن الضرورة قد تلجئ إلى تعجيل جزاء بعض الأعمال في الدنيا وأن هذا منه ثم ظهر لي أنه ليس في الحديث رؤية عمل بالكلية لقول كل منهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فلم يعتقد أحد منهم في عمله الإخلاص بل أحال أمره إلى الله فإذا لم يجزموا بالإخلاص فيه مع كونه أحسن أعمالهم فغيره أولى فيستفاد منه أن الذي يصلح في مثل هذا أن يعتقد الشخص تقصيره


(١) أخرجه البخاري، كتاب الأنبياء، باب: {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الكَهْفِ والرَّقيمِ} الكهف ٩، رقم ٣٢٧٨. وأخرجه مسلم، كتاب: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب: قصة أصحاب الغار الثلاثة والتوسل بصالح الأعمال، رقم ٢٧٤٢.

<<  <   >  >>