للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثالث: ما أريد منهم معونة ولا فضلًا» (١).

وقال ابن عاشور رحمه الله: «وجملة {مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ} تقرير لمعنى {إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} بإبطال بعض العلل والغايات التي يقصدها الصانعون شيئًا يصنعونه أو يتخذونه، فإنه المعروف في المعرف أن من يتخذ شيئًا إنما يتخذه لنفسه، وليست الجملة لإفادة.

الجانب المقصور دونه بصيغة القصر لأن صيغة القصر لا تحتاج لذكر الضد. ولا يحسن ذكر الضد ولا يحسن ذكر الضد في الكلام البليغ.

فقوله: {مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ} كناية عن عدم الاحتياج إليهم لأن أشد الحاجات في العرف حاجة الناس إلى الطعام واللباس والسكن وإنما تحصل بالرزق وهو المال، فلذلك ابتدئ به ثم عطف عليه، أي إعطاء الطعام لأنه أشد ما يحتاج إليه البشر، وقد لا يجده صاحب المال إذا قحط الناس فيحتاج إلى من يسلفه الطعام أو يطعمه إياه، وفي هذا تعريض بأهل الشرك إذ يهدون إلى الأصنام الأموال والطعام تتلقاه منه سدنة الأصنام.

والرزق هنا: المال كقوله تعالى: {فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (٢). وقوله: {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ} (٣). ويطلق الرزق على الطعام كقوله تعالى: {لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} (٤). ويمنع من إرادته


(١) تفسير الماوردي المسمى «النكت والعيون»، أبو الحسن علب بن محمد بن حبيب الماوردي البصري، تحقيق: السيد عبد المقصود ٥/ ٣٧٤، ط/ دار الكتب العلمية، بيروت.
(٢) سورة العنكبوت، الآية: ١٧.
(٣) سورة الرعد، الآية: ٢٦.
(٤) سورة مريم، الآية: ٦٢.

<<  <   >  >>