للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هنا عطف {وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ}. وقوله {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}. تعليل لجملتي {مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ} و {الرِّزْق} هنا بمعنى ما يهم المال والإطعام. والرزاق: الكثير الإرزاق، والقوة: القدرة.

وذو القوة: صاحب القدرة. ومن خصائص {ذُو} أن تضاف إلى أمر مهم، فعلم أن القوة هنا قوة خلية من النقائص.

والمتين: الشديد، وهو هنا وصف لذي القوة، أي الشدائد القوة، وقد عد {الْمَتِينُ} في أسمائه تعالى. فالمعنى أنه المستغني غنى مطلقاً فلا يحتاج إلى شيء فلا يكون خلقه الخلق لتحصيل نفع له ولكن لعمران الكون وإجراء نظام العمران بإتباع الشريعة التي يجمعها معنى العبادة في قوله: {إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}.

وإظهار اسم الجلالة في {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ} إخراج للكلام على خلاف مقتضى الظاهر لأن مقتضاه: إني أنا الرزاق، فعدل عن الإضمار إلى الاسم الظاهر لتكون هذه الجملة مستقلة بالدلالة لأنها سيرت مسير الكلام الجامع والأمثال: وحذفت ياء المتكلم من {يَعْبُدُونِ} و {يُطْعِمُونِ} للتخفيف، ونظائره كثيرة في القرآن. وفي قوله: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} طريق قصر لوجود ضمير الفصل، أي: لا رزاق، ولا ذا قوة، ولا متين إلا الله، وهو قصر إضافي، أي دون الأصنام التي يعبدونها. فالقصر قصر إفراد بتنزيل المشركين في إشراكهم أصنامهم بالله منزلة من يدعي أن الأصنام شركاء لله في صفاته التي منها: الإرزاق، والقوة، والشدة، فأبطل ذلك بهذا القصر» (١).


(١) التحرير والتنوير، محمد الطاهر بن محمد الطاهر بن عاشور ٢٧/ ٤٦.

<<  <   >  >>