للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال الزمخشري رحمه الله: «يريد: أن شأني مع عبادي ليس كشأن السادة مع عبيدهم، فإن ملاك العبيد إنما يملكونهم ليستعينوا بهم في تحصيل معايشهم وأرزاقهم، فإما مجهز في تجارة ليفي ربحًا. أو مرتب في فلاحة ليعتل أرضًا. أو مسلم في حرفة لينتفع بأجرته. أو محتطب. أو محتش. أو طابخ. أو خابز، وما أشبه ذلك من الأعمال والمهن التي هي تصرف في أسباب المعيشة وأبواب الرزق، فأما مالك ملك العبيد وقال لهم: اشتغلوا بما يسعدكم في أنفسكم، ولا أريد أن أصرفكم في تحصيل رزقي ولا رزقكم، وأنا غنى عنكم وعن مرافقكم، ومتفضل عليكم برزقكم وبما يصلحكم ويعيشكم من عندي، فما هو إلا أنا وحدي المتين الشديد القوة. قرئ بالرفع صفة لذو، وبالجر صفة للقوة على تأويل الاقتدار، والمعنى في وصفه بالقوة والمتانة: أنه القادر البليغ الاقتدار على كل شيء» (١).

والذي يظهر من الآيات أن الله عزَّ وجلَّ لا يريد من خلق الناس جلب نفع له، ولا دفع ضرر عنه، كما تريده السادة عادة من عبيدهم، فإن الله هو الغني المعطي، الرزاق المعطي , الذي يرزق مخلوقاته، ويقوم بما يصلحهم، وهو ذو القدر والقوة، والشديد القوة، فلم يخلقهم لنفع ينفعونه به، فعليهم أن يؤدوا ما خلقوا له من العبادة.

والخلاصة: أنه تعالى خلق العبادة ليعبدوه وحده لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب، وهو غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم.

وقد أقسم الله تعالى أن رزق العباد مكفوب لهم فقال سبحانه: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} (٢).


(١) الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، جار الله أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري ٤/ ٤٠٦، ط/ دار الكتاب العربي، بيروت: ١٤٠٧ هـ.
(٢) سورة الذاريات، الآية: ٢٢.

<<  <   >  >>