قال ابن كثير رحمه الله:«ثم قال: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ} يعني: المطر، {وَمَا تُوعَدُونَ} يعني: الجنة. قاله ابن عباس، ومجاهد وغير واحد.
وقال سفيان الثوري رحمه الله: قرأ واصل الأحدب رحمه الله هذه الآية: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} فقال: ألا إني أرى رزقي في السماء، وأنا أطلبه في الأرض؟ فدخل خربة فمكث فيها ثلاثاً لا يصيب شيئًا، فلما أن كان في اليوم الثالث إذا هو بدَوْخَلَة من رطب، وكان له أخ أحسن نية منه، فدخل معه فصارتا دوخلتين، فلم يزل ذلك دأبهما حتى فرق الموت بينهما» (١).
قال د. وهبة الزحيلي: «ثم ذكر الله تعالى ضمانة الرزق للأنفس والعباد كلهم فقال: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} أي، وفي السماء تقدير الأرزاق وتعيينها، وفيها ما توعدون من خير أو شر، وجنة ونار، وثواب وعقاب، ففي السماء التي هي السحاب المطر، وفي السماء أسباب الرزق من الشمس والقمر والكواكب والمطالع والمغارب التي تختلف بها الفصول، التي يكون تغيرها مناسباً لأنواع النباتات المختلفة التي تسقى بماء الأمطار، وتسوقها الرياح، وتغذيها الشمس بحرارتها، ويمنحها نور القمر قوة ونموًّا ونضجًا.
ثم أقسم الله تعالى بذاته المقدسة على أحقية البعث وضمان الرزق، فقال:{فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} أي فورب العزة والجلال، إن ما أخبرتكم به في هذه الآيات، وما وعدتكم به من أمر القيامة والبعث والجزاء، وتيسير الرزق وضمانه، حق لا مرية فيه، كائن لا محالة، فلا تشكوا فيه، كما لا تشكوا في نطقكم حين تنطقون، فهو كمثل نطقكم، فكما أنكم لا تشكون في نطقكم فكذلك هذا، كما تقول: إنه لحق، كما أنك تتكلم وترى وتسمع. وكان معاذ إذا حدث بالشيء
(١) تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، تحقيق: سامي بن محمد سلامة ٧/ ٤١٩.