للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وروي أن قومًا من الأعراب زرعوا زرعًا فأصابته جائحة فحزنوا لأجله، فخرجت عليهم أعرابية فقالت: ما لي أراكم قد نكستم رؤوسكم، وضاقت صدوركم، هو ربنا والعالم بنا، رزقنا عليه يأتينا به حيث شاء! ثم أنشأت تقول:

لو كان في صخرة في البحر ... صمًّا ململمة ملسًا نواحيها

رزق لنفس براها الله لانفلقت ... حتى تؤدي إليها كل ما فيها

أو كان بين طباق السبع ... لسهل الله في المرقى مراقيها

حتى تنال الذي في اللوح خط لها ... إن لم تنله وإلا سوف يأتيها

قلت: وهذا هو التوكل الحقيقي الذي لا يشوبه شي، وهو فراغ القلب مع الرب، رزقنا الله إياه ولا أحالنا على أحد سواه بمنه وكرمه» (١).

إن الله سبحانه يختص بالرزق والتقدير دون شريك ولا معين، {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (٢). وسبحانه وبحمده، امتد رزقه للبهائم فضلًا عن العقلاء، فرزق الطير في أوكارها، والسباع في جحورها، والحيتان في قاع بحارها، وشمل رزقه الدواب بأنواعها، وصدق الله: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} (٣).

فالمخلوق الذي لا يحمل الرزق يحمل إليه الرزق! والذي لا يملك قوت يومه أو غده ييسره الله له قال الله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا


(١) الجامع لحكام القرآن، أبو عبد الله محمد بن احمد القرطبي، تحقيق: أحمد البردوني، وإبراهيم أطفيش ١٧/ ٤٢.
(٢) سورة سبأ، الآية: ٢٦.
(٣) سورة هود، الآية: ٦.

<<  <   >  >>