للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا درهمًا، ولا أخبئ رزقاً لغد».

وقد ذكروا أن الغراب إذا فقس عن فراخه البيض، خرجوا وهم بيض فإذا رآهم أبواهم كذلك، نفرا عنهم أياماً حتى يسود الريش، فيظل الفرخ فاتحًا فاه يتفقد أبويه، فيقيض الله له طيرًا صغارًا كالبرغش فيغشاه فيتقوت منه تلك الأيام حتى يسود ريشه، والأبوان يتفقدانه كل وقت، فكلما رأوه أبيض الريش نفرَا عنه، فإذا رأوه قد اسودّ ريشه عطفَا عليه بالحضانة والرزق» (١).

وفي السنة النبوية ما يؤكد للإنسان أهمية أن يثق بالله تعالى في رزقه؛ فإن رزق الإنسان مكتوب له، وهو في بطن أمه فعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الصادق المصدوق: «إن أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يومًا ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث الله إليه ملكاً بأربع كلمات فيكتب عمله وأجله ورزقه وشقي أم سعيد ثم ينفخ فيه الروح فإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخل الجنة. وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخل النار» (٢).

قال ابن حجر رحمه الله: «والمراد من كتابة الرزق تقديره قليلًا أو كثيرًا وصفته حراماً أو حلالاً وبالأجل هل هو طويل أو قصير وبالعمل هو صالح أو فاسد ووقع لأبي داود من رواية شعبة والثوري جميعًا عن الأعمش ثم يكتب شقيًّا أو سعيدًا ومعنى قوله شقي أو سعيد أن الملك يكتب إحدى الكلمتين كأن يكتب مثلًا أجل هذا الجنين كذا ورزقه كذا وعمله كذا وهو شقي


(١) تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، تحقيق: سامي بن محمد سلامة ٦/ ٢٩٣.
(٢) أخرجه البخاري، كتاب: بدء الخلق، باب: ذكر الملائكة، رقم ٣٠٣٦، وأخرجه مسلم، كتاب: القدر، باب: كيفية خلق الآدمي في بطن أمه رقم ٢٦٤٣.

<<  <   >  >>