للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد رأى القرطبي ومن وافقه أن المراد من تفسير المثل الأعلى بالشهادة الوصف بالوحدانية، أي وحدانية الذات والصفات (١). وهذا غير مسلم، لأن الشهادة إنما تدل مطابقة على إفراد الرب بالعبادة، لأن الإله بمعنى المعبود، كما نص على ذلك علماء السلف وعلماء اللغة (٢). والظاهر أن تفسير المثل الأعلى بكلمة التوحيد، أو بمعناها وما يدل عليها من باب تفسير اللفظ بمقتضاه، لأن التفرد بالكمال المطلق يستلزم إفراد الموصوف به بجميع أنواع العبادة، وعلى ذلك يكون مرادهم أنه المعبود في السماوات والأرض، لما تفرد به من الكمال المطلق الذي يستحيل معه المثل، والله أعلم.

الثالث: أن المثل الأعلى بمعنى النزاهة عن المثل إما مطلقا، كما يؤثر عن ابن عباس (٣)، أو مقيدا بصفة الولد، كما ذهب إليه ابن الجوزي ومن وافقه (٤)، اعتمادا على سباق المثل الأعلى في قوله تعالى: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ * وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ * لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [النحل: ٥٧ - ٦٠].


(١) انظر: تفسير القرطبي ١٤/ ٢٢، تفسير أبي السعود ٤/ ٢٧٧، روح المعاني للآلوسي ١١/ ٢١/٣٧.
(٢) انظر: تفسير الطبري ١/ ٥٤، معجم مقاييس اللغة لابن فارس ١/ ١٢٧، الرسالة التدمرية لابن تيمية ص١٨٥، ١٨٦.
(٣) انظر: تفسير الطبري ١١/ ٢١/٣٨، الدر المنثور للسيوطي ٤/ ١٢١.
(٤) انظر: زاد المسير لابن الجوزي ٤/ ٤٥٩، الصواعق المرسلة لابن القيم ٣/ ١٠٣٣.

<<  <   >  >>