للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السماوات والأرض دليل على النشأة الثانية من باب أولى. وقد ذكر الله في ثنايا هذا الدليل الصفات المصححة للإعادة، وهي عموم العلم وتمام القدرة وكمال الإرادة، لأن تعذر الإعادة إنما يكون لقصور في هذه الصفات، ولا قصور في علم من هو بكل شيء عليم، ولا قدرة فوق قدرة من خلق السماوات والأرض، ولا إرادة تعارض من إذا أراد شيئا قال له: كن؛ فيكون! (١).

وقد تكرر الاستدلال على المعاد بخلق الأنفس والآفاق بأفصح العبارات، وأقطعها للعذر، وألزمها للحجة، قال تعالى: {وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا * أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا} [مريم: ٦٦، ٦٧]، وقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ......} [الحج: ٥]، وقال: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ * إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ} [الطارق: ٥ - ٨]، فدل على الإعادة بالقياس على النشأة الأولى المعلومة والمشهودة، وهي نشأة أصل البشر من تراب لا حياة فيه، ونشأة آحاد بني آدم تدريجيا في الأطوار حتى إحكام الخلق (٢).

وقال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ} [الإسراء: ٩٩]، وقال: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} [الأحقاف: ٣٣]، فقدرة الله التامة على خلق السماوات والأرض دليل


(١) انظر: تفسير الطبري ٩/ ١٥/١٦٩، ١٧٠، إعلام الموقعين ١/ ١٣٢، ١٤٠ - ١٤٧، تفسير ابن كثير ٣/ ٦٥، ٦٦، ٥٨٢، ٤/ ٨٥، ١٧١.
(٢) انظر: روح المعاني للآلوسي ٩/ ١٨/١١٧، تفسير السعدي ٥/ ٢٧٤.

<<  <   >  >>