للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج: ٧٣، ٧٤]، وقد ضرب الله هذا المثل بأوجز عبارة وأحلاها، وبين فيه ما يعم المعبودات الباطلة من عجز حتى حال الاجتماع والتعاون، فهي لا تقدر على إيجاد مخلوق من أضعف المخلوقات، ولا حتى على الانتصار منه، وذلك لكمال عجزها المستلزم بطلان ألوهيتها ضرورة، إذ من لوازم الألوهية الحق القدرة التامة على كل شيء، ولهذا فإن من عرف الله حق المعرفة، وآمن بصفاته الكاملة، وقدرته التامة عصمه إيمانه من شرك العبادة، إذ لا يبتلى به إلا من لم يقدر الله حق قدره. وهذا المثل يقطع مواد الشرك، وهو من أبلغ ما أنزله الله في إبطال الشرك وتجهيل أهله (١).

٤ - قوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت: ٤١]، فمثل اتخاذ الأولياء من دونه، واعتماد المشركين عليهم في حصول المنافع بما في ذلك العزة والقدرة والنصرة مثله باعتماد العنكبوت على أضعف البيوت، فإن اعتمادهم عليها ما زادهم إلا ضعفا، وموالاتهم لها ما زادتهم إلا ذلة، جزاء وفاقا، ومعاملة للمشرك بنقيض مقصوده، كما هي سنة الله مع المشركين (٢).


(١) انظر: إعلام الموقعين لابن القيم ١/ ١٧٤، ١٧٥، الصواعق المرسلة ٢/ ٤٦٦، ٤٦٧.
(٢) انظر: المحرر الوجيز لابن عطية ٤/ ٣١٨، تفسير القرطبي ١٣/ ٣٤٥، إعلام الموقعين لابن القيم ١/ ١٥٢، ١٥٣.
ومما يدل مع الآية على معاملة المشرك بنقيض قصده حديث عمران بن حصين مرفوعا: "انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهنا"، وحديث عقبة بن عامر مرفوعا: "من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له"، أي لا تركه في دعة وراحة وسكون بل حرك عليه كل مؤذ. انظر فيا يتعلق ببيان معنى الحديثين وتخريجهما: كتاب التوحيد بشرحه فتح المجيد وتخريجه لعبد القادر الأرنؤوط ص١٢٥ - ١٣٠.

<<  <   >  >>