وبهذا يتبين أنَّ تَرْكَه - صلى الله عليه وسلم - لا يدل على تحريم هذا الشيء المتروك.
وهذا كله إنما يستقيم إذا خلا تَرْكُه - صلى الله عليه وسلم - من القرائن.
وهذه قضية في غاية الأهمية؛ فإنَّ تَرْكَه - صلى الله عليه وسلم - من حيث هو يحتمل - وهذا هو الأصل - جواز الترك, وهو الإباحة ويحتمل - أيضًا - وجوب الترك، وهو التحريم.
ومن هنا فلا يسوغ لأحد أن يجعل من مجرد تَرْكه - صلى الله عليه وسلم - لأمر من الأمور دليلًا على تحريم هذا الأمر المتروك، كما لا يسوغ لأحد أن يجعل من مجرد تَرْكِه - صلى الله عليه وسلم - لأمر من الأمور دليلًا على إباحة هذا الأمر المتروك.
إلا أن تَرْكَه - صلى الله عليه وسلم - قد تقترن به قرائن تمنع من الاحتجاج به فيكون هذا التَّرك دليلًا على الإباحة.
وقد تقترن بتَرْكِه - صلى الله عليه وسلم - قرائن تجعل من هذا التَّرك حُجَّة، فيكون هذا التَّرك دليلًا على التحريم، ويتعين إذ ذاك متابعته - صلى الله عليه وسلم - في هذا التَّرك. وسيأتي بيان هذه القرائن في الأصل الرابع والخامس.
ثُمَّ إنَّ تَرْكَ النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى يكون حُجَّة يجب متابعته فيه لا بد أن يتوافر فيه شرطان: