ونصب علامات تظهر بها حدود الحرم من كل جهة؛ إذ عفت معالم الحرَّتين في الجملة، وانطمست آثارهما، بسبب امتداد البنيان وارتفاعه، وازدياد العمران واتساعه وأصبح السائر فوق تلك الأرض لا يمكنه التعرف على أصلها أو التنبؤ بأساسها؛ أهو واد مركوم أم جبل مقضوم أو هو سهول بيضاء أم حرة سوداء؟
وبهذا يظهر جليًا أن السبب المقتضي لوضع أعلام تميز حدود حرم المدينة إنما وجد في هذا العصر، ولم يكن هذا لمقتضي موجودًا في عصره - صلى الله عليه وسلم - وبذلك يعلم أن نصب أعلام على حدود حرم المدينة أمر مشروع، بل هو داخل تحت عموم سُنَّته التي ثبت بها تحريم ما بين لابتي المدينة وما بين جبليها، حيث أصبحت في هذا العصر معرفة حدود هذا الحرم متوقفة على وضع هذه الأعلام؛ إذ يمكن بها معرفة ما يدخل في حدِّ الحرم وما لا يدخل وبدون وضع هذه الأعلام يصعب تمييز حدود الحرم أو يتعذر.
المثال الثاني: وضع المفارش ذوات الخطوط في المساجد للاستعانة بها في إقامة صفوف المصلين وتسويتها:
من الواضح أن استعمال المفارش ذوات الخطوط ليس مقصودًا لذاته، وإنما قُصد من أجل كون هذه المفارش وسيلة معينة على استقامة الصفوف واعتدالها؛ حيث إن