للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يرتكب الأمور، ويعثر فيها، فيعتبر، ويستبين مواضع الخطأ، ويجتنبها ..) (١).

وربما لا يصل الحكيم إلى ما وصل إليه إلا بعد التعلم من الأخطاء والزلات والسقطات؛ التي وقع فيها بنفسه، أو بأن يتشرب نتائج خبرة من يفوقه عمرًا أو علمًا أو تجربة، والمغفل من لا تنفعه التجارب، ولا تعلمه الأيام، ولذلك فصل الخطابي فقال: (ليكن المؤمن حازمًا حذرًا، لا يؤتى من ناحية الغفلة فيُخدع مرة بعد أخرى، وقد يكون ذلك في أمر الدين، كما يكون في أمر الدنيا، وهو أولاهما بالحذر) (٢).

فالواجب على الحكيم أن يتروَّى ويتعقَّل، ولا يعرض نفسه للزلات، فقد ورد أن صحابيًّا أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (.. يا رسول الله، علِّمني وأوجز)، فأجابه: «إذا قمت في صلاتك فصلِّ صلاة مودِّع، ولا تكلَّمْ بكلام تعتذر منه، وأجمعِ اليأسَ عما في أيدي الناس» (٣)، فجعل الاحتياط في إطلاق الكلمات، وإبعاد النفس عن الوقوع في الحرج، من ثمرات الحكمة التي توجز تجارب الرجال.

ومن شُكر صاحب الحكمة لله على ما آتاه: أن يعلم الناس ثمرة حكمته، وخلاصة فقهه وتجاربه، وعندئذٍ يكون حريًّا بأن يغبِطه الناس، ويتمنَّوا الوصول إلى مثل مقامه، كما جاء في الحديث: «لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالًا فسُلِّط على هلكته في الحق،


(١) عن فتح الباري ١/ ٥٣٠.
(٢) عن فتح الباري ١/ ٥٣٠.
(٣) صحيح سنن ابن ماجه للألباني - كتاب الزهد - باب ١٥ - الحديث ٣٣٦٣/ ٤١٧١ (حسن).

<<  <   >  >>