للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في صلاته يحسب حساب من يأتمون به؛ ألا يشق عليهم، وإذا توقع الحرج ولو لواحدٍ ممن خلفه اختصر تيسيرًا ورفعا للحرج، ومن ذلك قوله: «إني لأقومُ إلى الصلاة وأنا أريد أن أطولَ فيها، فأسمع بكاء الصبي، فأتجوَّز كراهيةَ أن أشقَّ على أمه» (١)، وكان - صلى الله عليه وسلم - يغضب ممن يطيل بالناس في الصلاة، ويعتبرهم منفرين، أو فتانين .. وذلك ليتشرَّبوا منه خُلق التيسير، وهو من أهم ما يتحلى به الداعية المسلم.

وقدوتنا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - تقتضي منا أن نختار الأيسر للناس، ونقبل به، وإن كان فيه تنازل عن حق من حقوقنا، فتلك المياسرة في الدنيا طريق لتحصيل التيسير والمغفرة من الله في الآخرة، كما في الحديث: «يُؤتَى برجل يوم القيامة فيقول الله: انظروا في عمله، فيقول: رب ما كنت أعمل خيرًا، غير أنه كان لي مال، وكنت أخالط الناس؛ فمن كان موسرًا يسرت عليه، ومن كان معسرًا أنظرته إلى ميسرة، قال الله عز وجل: أنا أحق مَن يسَّر فغفر له ..» (٢)، لم يعمل من الخير إلا أنه كان مياسرًا للناس، مخففًا عليهم، سمحًا معهم، فنال بذلك المغفرة، والتيسير حبيب إلى الله، حبيب إلى خلق الله.

وقد ورد في شمائله - صلى الله عليه وسلم - أنه: «كان يحب ما خف على الناس» (٣)، «إن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليدع العمل وهو يحب أن يعمل


(١) صحيح سنن أبي داود - كتاب الصلاة - باب ١٢٧ - الحديث ٧٠٨/ ٧٨٩ (صحيح).
(٢) مسند أحمد ٥/ ٤٠٧. وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم ٢٠٧٩، والقصة مروية في الصحيحين.
(٣) مسند أحمد ٦/ ١٦١، ورواه الترمذي والبيهقي وحسنه البخاري (انظر بلوغ الأماني ١٥/ ٢٣).

<<  <   >  >>