للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وحين يُفقد مثل هذا الجو النظيف، يكون التنافس في الاستكثار من المتاع، وفي التهافت على كل جديد، حتى يصيب أحدَهم انتفاشةٌ جوفاء، إن هو حاز على شيء من الدنيا، لم يسبقه إليه غيره.

والأخطر من هذا كله تنافس الكسالى والبليدين، الذين ينتظرون أن تُصب نعم الله عليهم صبًا، رغم بَلادتِهم وضعف هممهم، وإن لم تغمرهم هذه النِّعم وهم قاعدون، حرَّكتهم همة الشر للكيد لمن يعملون، والتشفي بمن يفوقهم، والحسد لمن سبقهم، والحقد على من أنعم الله عليه مما لم يُنعم عليهم، وقد حذَّر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله: «دبَّ إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد والبغضاء، والبغضاء هي الحالقة، حالقة الدين لا حالقة الشعر، والذي نفس محمد بيده لا تُؤمِنوا حتى تحابوا، أفلا أُنبِّئكم بشيءٍ إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم» (١)، والسلام الحقيقي هو الارتياح القلبي المتبادل، وما التحية إلا مظهرًا من مظاهره.

وحين يشيع مجال التنافس في الخيرات، لا يتطلَّع المرء إلا للَّحاق بمن يفوقُه ورعًا وعبادةً، ودعوةً وجهادًا، والذي يمدُّون أعينهم إلى ما متَّع الله به بعض خلقِه، فتحدثهم أنفسهم أن يسابقوهم في الاشتغال بالتكاثر من النِّعم، أو بالنظر إليهم نظرة الحسد المقيت، يردهم قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «انظُروا إلى مَن أسفلَ منكم، ولا تنظروا إلى مَن هو فوقكم؛ فإنه أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم» (٢).


(١) مسند أحمد ١/ ١٦٥ وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم ٢٠٣٨/ ٢٦٤١ وحسنه الأرناؤوط (جامع الأصول ٣/ ٦٢٦).
(٢) صحيح مسلم - كتاب الزهد - الحديث ٩/ ٢٩٦٣ (شرح النووي ٩/ ٣٠٩).

<<  <   >  >>