للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأخطر ما يكون التنازع في مواقف الجهاد والدعوة، ولقد ترجم البخاري بابًا بقوله:) باب ما يكره من التنازع والاختلاف في الحرب (، واستشهد بوصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ وأبي موسى قبل إرسالهما إلى اليمن: «يسِّرا ولا تُعسِّرا وبشِّرا ولا تنفِّرا وتطاوعا ولا تختلفا» (١)، وكم يكون محرجًا؛ حين يتنازع داعيان فاضلان حول مسألة شرعية والناس بأعينهم ينظرون!

وإنما يحتاج المؤمن لشجاعة التراجع عن الرأي المفرِّق، والتزام الرأي الجامع، وقد ذكر ابن حجر أن عليًّا وعمر - رضي الله عنه - كانا يُفتِيان بألا تُباع أم الولد، فقال عبيدة لعلي - رضي الله عنه -:) رأيك ورأي عمر في الجماعة، أحب إليَّ من رأيك وحدك في الفرقة ((٢)، فتراجع علي عن فتواه، وقال:) اقضوا كما كنتم تقضون، فإني أكره الاختلاف ((٣)، ونبذ الخلاف مقدم على الإصرار على تثبيت رأي أو وجهة نظر اجتهادية، وأما الحق المقطوع فيه، فيقدر الداعية الحكيم على إيصاله بحكمته، بعيدًا عن المشاجرة والخصومات.

ولو أننا نتذكر حال المؤمنين في الجنة، لسعينا لأن نجعل رحلتنا في الدنيا صورة عن حياة أهل الجنة، الذين وصفهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - بقوله: «لا اختلاف بينهم ولا تباغض، وقلوبهم قلب واحد» (٤)، ولذلك كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُحذِّر من الوقوع في دواعي الاختلاف؛


(١) صحيح البخاري كتاب الاجتهاد - باب ١٦٤ الحديث ٣٠٣٨ (الفتح ٦/ ١٢٦).
(٢) فتح الباري ٧/ ٧٣.
(٣) صحيح البخاري - كتاب فضائل الصحابة - باب ٩ - الحديث ٣٧٠٧ (الفتح ٧/ ٧١)
(٤) صحيح البخاري - كتاب بدء الخلق - باب ٨ - الحديث ٣٢٤٥ (الفتح ٦/ ٣١٨).

<<  <   >  >>