للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالتراجع، ما ردعته إلا بالاستحياء من أن يقر بأنه كان سكران، فقالت له: (أما تستحيي؟ تريد أن تُسفِّه نفسك عند قريش، تخبر الناس أنك كنت سكران؟ فلم تزل به حتى رضي) (١)، وكم يحتاج المسلمون اليوم إلى إحياء هذا الخُلُق بالالتزام بالكلمة والارتداع عن الوقوع في القبائح أو الشبهات بشيءٍ من الحياء.

ترى الرجل الحَيِيَّ يحتقنُ وجهه؛ وتحمرُّ وَجْنتاه، إذا صدر منه أو من غيره ما ينافي الحياء: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشد حياءً من عذراء في خدرها، وكان إذا كرِه شيئًا رئي ذلك في وجهه) (٢).

ومن سمة الحياء: ما يتميز به الحَيِيُّ من مظاهر الوقار والسكينة؛ إذ روي عن بشير بن كعب قوله: (مكتوب في الحكمة: إن من الحياء وقارًا، وإن من الحياء سكينة) (٣).

قال القرطبي: (معنى كلام بشير: أن من الحياء ما يحمل صاحبه على الوقار، بأن يوقر غيره، ويتوقر هو في نفسه، ومنه ما يحمله على أنه يسكن عن كثير مما يتحرك الناس فيه من الأمور التي لا تليق بذي المروءة ..) (٤)، فالحياء يحجز النفس عن كثير من خوارم المروءة، وقوادح الدين.

ومن الحياء الواقع إجلالًا واحترامًا للأكابر: ما كان من ابن عمر حين سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصحابة: «إن من الشجرِ شجرةً لا يسقط ورقها، وهي مثل المسلم، حدِّثوني ما هي؟» (٥)، فعرَف ابن عمر أنها


(١) مسند أحمد ١/ ٣١٢.
(٢) صحيح سنن أبن ماجه ٢/ ٤٠٦ الحديث ٣٣٦٩ (صحيح).
(٣) صحيح البخاري - كتاب الأدب باب: ٧٧ الحديث: ٦١١٧ (الفتح ١٠/ ٥٢١).
(٤) عن فتح الباري ١٠/ ٥٢٢ عند شرحه للحديث ٦١١٧
(٥) صحيح البخاري - كتاب العلم - باب ٤ - الحديث ٦١؟.

<<  <   >  >>