للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النخلة، واستحيا أن يُجيب، ويُعلِّل حياءه - كما في روايات الحديث - بأنه وجد نفسه أصغر الجالسين، وأنه رأى أبا بكر وعمر لا يتكلَّمان، فكرِه أن يتكلَّم (١).

كم يشرح الصدر ذلك المجتمع الذي يستحيي في الصغير من الكبير، ويتعامل الناس فيه بالاحترام والتوقير.

والحياء بنفسه وقاية من الوقوع في المعاصي، فقد ورد أن أحد الصحابة كان يعاتب أخاه على حيائه، وكأنما يقول له: قد أضر بك الحياء، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «دَعْه فإن الحياء من الإيمان» (٢)، قال أبو عبُيَد الهَرَوِي: (معناه أن المستحيي ينقطع بحيائه عن المعاصي، فصار كالإيمان القاطع بينه وبين المعاصي) (٣)، ولذلك عمَّم الرسول - صلى الله عليه وسلم - في بيان ثمرات الحياء، فقال: «الحياء لا يأتي إلا بخير» (٤)، ووصفه بأنه زينة للسلوك، فقال: «ما كان الفُحْش في شيءٍ قط إلا شانه، ولا كان الحياء في شيء قط إلا زانه» (٥).

ومظاهر الخجل الاجتماعي، التي قد تجر إلى الشر، لا يمكن أن تكون من الحياء المحمود شرعًا؛ إذ إنه لا يأتي إلا بخير، ومداراة بعض الأعراف الاجتماعية المنحرفة، لا يعد حياءً؛ لأن الحياء زين وليس بشَين، والانحراف هو عين القبح والشين.

وكما أن الحياء أدب مع الخلق، فإن أسمى صورِه الأدب مع الخالق، وقد ورد أن عددًا من الأنبياء (آدم - نوح - موسى)، تطلب منهم الشفاعة يوم الموقف، والناس يقولون لكل منهم - لما يرون من


(١) فتح الباري ١/ ١٤٦.
(٢) صحيح البخاري - كتاب الادب - باب ٧٧ - الحديث ٦١١٨ (الفتح ١٠/ ٥٢١).
(٣) عن فتح الباري ١٠/ ٥٢٢ عند شرح الحديث ٦١١٨
(٤) صحيح البخاري - كتاب الادب - باب ٧٧ - الحديث ٦١١٧
(٥) صحيح سنن ابن ماجه ٢/ ٤٠٧ الحديث ٣٣٧٤ (صحيح)

<<  <   >  >>