للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كأنه قال عاطفين على المؤمنين على وجه التذلل والتواضع)، وفي قول ثان أن (على) تدل على علو مقامهم، وأنه رغم فضلهم وارتفاع منزلتهم (يذلون ويخضعون لمن فضلوا عليهن مع شرفهم وعلو مكانهم) (١).

العزة صفة محمودة، والكبر على الناس والعجب بالنفس مذمومان، وإن الله عز وجل قد حط من قيمة الدنيا في نظر المؤمن، وبين هوانها على الله؛ ليعلم الناس جميعًا أنه {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا} [فاطر: ١٠] وأن الله يُكرِّم بها أولياءه حتى وهم في ذروة المحنة

{وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُون} [المنافقون: ٨]، مع كل هذه العزة، فالمطلوب من المؤمن الشديد على الكفار، أن يتراحم مع المؤمنين، واللائق بالمؤمن العزيز على الكافرين، أن يتعامل بالذل على المؤمنين.

يقول ابن قدامة المقدسي في حديثه عن التواضع: (واعلم أن هذا الخلق كسائر الأخلاق، له طرفان ووسط: فطرفه الذي يميل إلى الزيادة يسمى تكبرًا، وطرفه الذي يميل إلى النقصان يسمى تخسسًا ومذلة. والوسط يسمى تواضعًا - وهو المحمود - وهو أن يتواضع من غير مذلة ..) (٢).

إن من تأديب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للمؤمنين على خلق (الذلة على المؤمنين) أنه كان يدعو: «اللهم أحيني مسكينًا، وأمتني مسكينًا، واحشرني في زمرة المساكين» (٣)، يقول ابن الأثير: (أراد به التواضع


(١) تفسير البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي ٣/ ٤١٢.
(٢) مختصر منهاج القاصدين ص ٢٥٤.
(٣) صحيح سنن الترمذي ٢/ ٢٧٥ كتاب الزاهد - باب ٢٣ - الحديث ١٩١٧/ ٢٤٧١ (صحيح).

<<  <   >  >>