للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وابدأ من جديد، وسيكبر لك صاحبك حسن تجاوزك عنه، وعدم التحقيق في عذره.

وإذا أصررت على أن تضع أخاك في موقف تذله فيه وتحاسبه محاسبة الأرباب، فقد تجرأت على حرب الله عز وجلن وليس لك به طاقة لما جاء في الحديث القدسي: «مَن أذل لي وليًّا فقد استحل محاربتي» (١)، والله ولي كل مؤمن.

إن الذي يتصدر لقيادة الناس وتوجيههم، وكسب قلوبهم، لا بدَّ أن يتمتع بقدر كبير من التواضع، ولذلك أمر الله عز وجل نبيه - صلى الله عليه وسلم - بقوله: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء: ٢١٥] فما بال أكابر أمته من بعده، وهم دونه في المنزلة والخلق، لا يخفضون جناحهم؟! وقد جاء في الحكم: (من كثر تواضعه كثر صديقه)، فإذا أردت أن تكسب أنصارًا لدعوتك، فعليك بالتواضع، واحذر العجب والكبر، وأخطره عجب الطاعة، الذي يجعلك تستصغر الناس إزاء ما تقوم به أنت من طاعات، ولذلك يروى عن مطرف قوله: (لأن أَبِيت نائمًا، وأصبح نادمًا، أحب إليَّ من أن أبيت قائمًا، وأصبح معجبًا) (٢).

ويعرف الفضيل بن عياض تواضع المؤمن بأنه: (أن يخضع للحق، وينقاد لهن ويقبله ممن قاله) (٣)، وهذا الخضوع للحق هو عين العز؛ لأن طاعة الله، ورجوع إلى الصواب، وتعويد للنفس ألا تصر على


(١) مسند أحمد ٦/ ٢٥٦.
(٢) مختصر منهاج الصادقين ص ٢٥٤.
(٣) تهذيب مدارج السالكين ص ٤٢٩.

<<  <   >  >>