للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

باطل. ولذلك يقول - صلى الله عليه وسلم -: «وما تواضع أحد لله، إلا رفعه الله» (١)، ومن كان قصده رضا الله، هان عليه الانقياد للحق؛ كالذي روي عن عبيد الله بن الحسن العنبري أنه سئل عن مسألة، فغلط فيها، فلما نبه إلى غلطهن أطرق ساعة، ثم رفع رأسه فقال: (إذاً أرجع وأنا صاغر، لأن أكون ذَنَبًا في الحق، أحب إليَّ من أن أكون رأسًا في الباطل ((٢)، وهذا الأصل في العالم، أن يتواضع لله وينقاد للحق؛ لأنه مقصوده، وإن كان بينه وبين من ظهر الحق على لسانه أي نوع من العداوة والاختلاف.

وعدم الخضوع للحق هو عين الكبر والبغي، ولذلك عرَّف الرسول - صلى الله عليه وسلم - الكبر بقوله «الكبر: بطر الحق، وغَمْط الناس» (٣)، وبهذا نرى أن التواضع بالإضافة إلى كونه خلقًا وجدانيًّا محمودًا، فإنه وقاية من الوقوع في الظلم، وحماية من التعالي والتفاخر على إخوة الدين، وفي الحديث: «إن الله أوحى إليَّ: أن تواضعوا؛ حتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغي أحد على أحد» (٤).

ومن رفعة مقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإنه حين رأى رجلًا يرتعد منه، وكأنما كان يظنه كملوك الأرض، قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «هوِّن عليك فإني لست بمَلِك، إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القَدِيد» (٥)، وإقراره بما كانت عليه أمه من الفقر أو خشونة العيش، يزيد من إكباره في نفس سامعه، ولا يَضِيره شيئًا، ويدرب أصحابه بذلك على عدم


(١) أخرجه مسلم والترمذي: (جامع الأصول ٦/ ٤٥٥ الحديث ٤٦٦٠).
(٢) تهذيب التهذيب ٧/ ٧ (١٢).
(٣) صحيح مسلم - كتاب الإيمان - باب ٣٩ - الحديث ١٤٧.
(٤) صحيح مسلم - كتاب الجنة - باب ١٦ - الحديث ٦٤.
(٥) صحيح سنن ابن ماجه ٢/ ٢٣٢ الحديث ٢٦٧٧/ ٣٣١٢ (صحيح).

<<  <   >  >>