للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التعالي على الخلق؛ باستحضار جوانب من بشريتهم، أو سابق حالهم، وبتذكر أنهم جميعًا بنو آدم، وآدم من تراب، وأن الكرم عند الله بالتقوى، وأن المتفاخر بالقيم الجاهلية أهون على الله من الجعلان.

ومع ما عُرِف عن ناقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من السرعة، فقد سبقتها مرة ناقة أعرابي، وشق ذلك على الصحابة، بينما تلقى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأمر بكل بساطة، بل اغتنم الفرصة، وعمق في النفوس سنة كونية، فقال: «حق على الله: ألا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه» (١)، بحيث يرتدع المتعالين ويتواضع المتفاخر؛ لأنه لا يدوم شيء في الدنيا على حاله، فقد يَذِل الرفيع، ويرتفع الوضيع.

ومن كمال ما عرف عن تواضع النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه كان يخدم أهله - وهو القادر على أن يستعين بالخدم - ويُسلِّم على الصبيان الذين يلقاهم في الطريق - وهو الذي تهابُه الملوك - وحتى حين يكون في أوجِ قوَّتِه وانتصاره، لا يكون جبارًا في الأرض، فقد كان يوم غزو بني قُرَيظة على حمار مخطوم بحبل من ليف، وحين دخل مكة فاتحًا، دخل منكس الرأس، تواضعًا لربه، وحذرًا من تسلل مشاعر الكبر إلى نفس المنتصر، الذي تحدثه نفسه بأنه هو الذي صنع النصر، وقد ينسى فضل الله وتوفيقه، وقد وصف ابن تيمية حال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله: (إنه اختار العبودية - والتواضع وإن كان هو الأعلى وهو ومن اتبعه - .. ولم يرد العلو، وإن كان قد حصل له) (٢).

ويكفي المتكبرين ليؤوبوا إلى رشدهم، أن يعلموا أن الله لا


(١) صحيح البخاري - كتاب الجهاد - باب ٥٩ - الحديث ٢٨٧٢ (الفتح ٦/ ٧٣٩).
(٢) مجموع فتاوى ابن تيمية ١١/ ١٣١.

<<  <   >  >>