للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يا أخي (١) حين تكون هذه الصورة نموذجًا يحتذي في العلاقات بين الإخوة، تتحقق فينا أخوة الإسلام بأسمى صورها.

ومن علامات حياة القلب، والتفكير في الآخرين، والاهتمام بأمورهم؛ أن يحزن المؤمن لحزن من يحب، ومن الصور البارزة لهذه المشاركة الشعورية: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شاور أصحابه في أسرى بدر، فرأى عمر أن يقتلوا، ورأى أبو بكر أن يعتبروا أسرى، ويؤخذ منهم الفداء، فمال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى رأى أبي بكر، فلما نزلت الآية في اليوم التالي: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} [الأنفال: ٦٧]، والآية تعاتبهم {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ}، وتشير الآية التي تليها إلى أنه كان سيَمَسُّهم عذاب لذلك: {لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: ٦٨].

فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبكي، وأبو بكر يبكي معه، ووجدهما عمر على هذا الحال فقال: «يا رسول الله، أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك؟ فإن وجدتُ بكاءً بكيت، وإن لم أجد بكاءً تباكيت لبكائكما» فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أبكي للذي عرض عليَّ أصحابك من أخذهم الفداء، لقد عرض عليَّ عذابهم أدنى من هذه الشجرة ..» (٢).

وحين أذن الله لرسوله - صلى الله عليه وسلم - بزيارة قبر أمه، (بكى هناك، وأبكى


(١) صحيح مسلم - كتاب فضائل الصحابة - باب ٤٢ - الحديث ١٧٠ (شرح النووي ١٦/ ٢٩٩).
(٢) صحيح مسلم - كتاب الجهاد - باب الإمداد بالملائكة - (شرح النووي ١٢/ ٨٤ - ٨٧).

<<  <   >  >>