للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من حوله) (١) من الصحابة، ولما زار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سعد بن عبادة - وهو يحتضر - فرأى ما غشِيه من نزع الروح، بكى (فلما رأى القوم بكاء النبي - صلى الله عليه وسلم -، بكوا) (٢)، وبذلك نرى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان رقيق القلب، سريع الدمعة، بالغ التأثر، قوي الإحساس، وكذلك كان الصحابة من حوله، فكيف نجد قلوبنا من بعدهم؟

ومن شواهد هذا الإحساس، وذلك التأثر، في مجتمع المسلمين، أن امرأة من الأنصار، لما علمت حزن عائشة، لما رُمِيت به من حديث الإفك، ذهبت إليها، وجلست تبكي معها (٣)، فهل يطيب لك نوم، وأنت تعلم أن أخًا لك في محنة؟ إذا وجدت مصائب إخوانك تمر على مشاعرك دون أن تحركها، وتعبُرُ أمام عينيك ولا تدمعها، فاعلم أن قلبك بحاجة إلى جلاء وإحياء.

ومن أبرز ما يتمثل فيه خلق (الإحساس والتأثر): حزن المرء على نفسه إذا أذنب، وندمه على ما اجترح، بحيث يدفعه ذله إلى التوبة.

يروى أن السيدة عائشة - رضي الله عنه - كانت نذرت أن تهجر ابن أختها عبدالله بن الزبير، ثم تَمَّ الإصلاح بينهما (.. وكانت تذكر نذرها بعد ذلك فتبكي، حتى تبل دموعُها خمارَها) (٤)، لحزنها على ما نذرت من شر، ثم يأتي على الناس زمان، يفعلون فيه الموبقات وهي أدق في عيونهم من الشعر؛ لاستصغارهم لما فعلوا، ويفعل أحدهم الذنب، فلا يتأثر له إلا كما يتأثر مَن وقفت على أنفِه ذبابة، فهشها


(١) صحيح مسلم - كتاب الجنائز - الحديث ١٠٨ (شرح النووي ٧/ ٥٢).
(٢) صحيح البخاري - كتاب الجنائز - باب ٤٤ - الحديث ١٣٠٤ (الفتح ٣/ ١٧٥)
(٣) صحيح البخاري - كتاب الشهادات - باب ١٥ - (الفتح ٥/ ٢٧١).
(٤) صحيح البخاري - كتاب الأدب - باب ٦٢ - الحديث ٦٠٧٣.

<<  <   >  >>