للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أشار بعدم تأبيرها، ثم قال بعد ذلك: (إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه، فإني إنما ظننت ظنًّا، فلا تؤاخذني بالظن) (١).

ولا تنتظر من نفسك أن تسيء لتعتذر، بل يمكن أن يكون الاعتذار توضيحًا للموقف، أو بيانًا للقصد، فقد كان الأنصار عند فتح مكة، قد توقَّعوا ميل النبي - صلى الله عليه وسلم -، للإقامة مع قومه في مكة بعد الفتح، فقالوا: (أمَّا الرجل فأدركته رغبة في قريته، ورأفة بعشيرته)، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «كلَّا، إني عبد الله ورسوله، هاجرتُ إلى الله وإليكم، فالمحيا محياكم، والممات مماتكم»، فأقبلوا إليه يَبْكُون، ويعتَذِرون بأنهم قالوا ما قالوه لحرصِهم على إقامته معهم في المدينة، فقالوا: (والله، ما قلنا الذي قلنا إلا الضَّن بالله ورسوله)، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «فإن الله ورسوله يُصدِّقانكم، ويعذرانكم» (٢).

وإن صاحب خلق (الاعتذار) ليستَحْيِي من افتضاح تقصيره، حين يظن من نفسه التقصير، فإن ابن عمر يروي أنه كان في سرية فانهزموا، ومن حيائهم رجعوا إلى المدينة خفية في الليل، واختفوا في المدينة، ثم قالوا: (لو خرجنا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، واعتذرنا إليه)، فخرجوا لبيان عذرهم، وقالوا له: «نحن الفرَّارون يا رسول الله!» «قال: بل أنتم العكَّارون، وأنا فئتكم» (٣)، فهوَّن عليهم ووصفهم بالعكَّارين،


(١) صحيح مسلم - كتاب الفضائل - باب ٣٨ - الحديث ٢٣٦١ (شرح النووي ١٥/ ١٢٥).
(٢) مسند أحمد ٢/ ٥٣٨ - وصحيح مسلم - الجهاد - باب ٣١ - الحديث ٨٦ (شرح النووي ١٢/ ٣٧٤).
(٣) مسند أحمد ٢/ ١١١ - وأخرجه أبو داود والترمذي وحسَّنه (جامع الأصول ٢/ ٦١٠).

<<  <   >  >>