للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الذين يغزون كرة بعد كرة، ولا يتوقفون عن الغزو.

وإذا جاءك مَن يأمرك بالمعروف، فاقبَل منه، ووضِّح عذرك - إن كان لك عذر - فقد وعظ سالم بن عبدالله شابًّا مسترخي الإزار، فقال: (ارفع إزارك)، فأخذ الشاب (يعتذر فقال: إنه استرخى، وإنه من كتَّان) (١)، وبذلك بيَّن أنه لم يُرخِه كبرًا، وإنما استرخى بنفسه؛ بسبب طبيعة قماشه، وهذا شأن المسلم في دفع سوء الظن، وإثبات براءته - حين يكون بريئًا بحق.

ومما ورد بهذا المعنى: أن أناسًا من الأشعريين طلبوا من أبي موسى الأشعري مرافقتهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولم يكن يعلم ماذا يريدون، وإذا بهم جاؤوا يطلبون التولية على أعمال المسلمين، فظهر أبو موسى وكأنه جاء يشفع لمن طلب الإمارة، فشعر بالحرج الشديد، قال: (فاعتذرت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعذرني) (٢).

وكان هذا الخلق صفة مميزة لمجتمع الصحابة رضي الله عنهم، يروي أحمد: أن عثمان بن عفان جاء يعتب على ابن مسعود في أمور سمعها عنه، فقال: (هل أنت مُنْتهٍ عمَّا بلغني عنك؟ فاعتذر بعض ... العذر) (٣). ويمكن أن يكون الاعتذار دفعًا لاعتراض، أو إزالة لشبهة قد تثور، وما أعظم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب! حين جاء يوم الجابية يوضح للناس أسباب عزل خالد بن الوليد، فقال: (وإني


(١) مسند أحمد ٢/ ٣٩٠.
(٢) مسند أحمد ٤/ ٤١٧ - وفي صحيح سنن النسائي ٣/ ١٠٨٩ - الحديث ٤٩٧٥ (صحيح).
(٣) مسند أحمد ١/ ٦٦.

<<  <   >  >>