للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أعتذر إليكم من عزل خالد بن الوليد)، وما أعظم المجتمع الذي يجرؤ أحد أفراده أن يعلن عدم قبوله لعذر الأمير! قائلًا له: (والله ما أعذرت يا عمر بن الخطاب) (١).

وقد يدعوك موقفٌ من المواقف إلى الشدَّة، التي قد يظنها الناس منك غلظة، فما أجمل أن تُبيِّن دواعي شدَّتِك؛ حتى لا يُفسِّرها أحد بأنها سوء خلق منك، روى أحمد أن حذيفة طلب ماءً من رجل من أهل الكتاب؛ ليشرب، فجاءه الكتابي بالماء في إناء من فضة، فرماه حذيفة بالإناء (ثم أقبل على القوم، اعتذر اعتذارًا، وقال: إني إنما فعلت ذلك عمدًا؛ لأني كنت نهيتُه قبل هذه المرة؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهانا عن لبس الديباج والحرير، وآنية الذهب والفضة) (٢)، فأوضح لمن معه أن هذا الرجل يعلم حرمة استعمال آنية الفضة على المسلمين، ومع ذلك تكرر منه ما يدعو إلى الغضب والشدة.

كل هذه الأخلاق وقاية لمجتمع المسلمين من تفشي سوء الظن، وتقاذف التُّهم، التي إن استقرت في القلوب، لم يعُدْ ينفع معها اعتذار، كما قالت عائشة في حديث الإفك: (والله لئن حلفتُ لا تصدقونني، ولئن اعتذرت لا تعذرونني) (٣) - فمن تغلب على نفسه فاعتذر، فتغلب أنت على كبريائك فاعذِر، فقد عدَّ ابن القيم قبول عذر المعتذر من التواضع، ويقول في ذلك: (من أساء ثم جاء يعتذر عن إساءته، فإن التواضع يوجب


(١) مسند أحمد ٣/ ٤٧٥ - ٤٦٧.
(٢) مسند أحمد ٥/ ٤٠٠.
(٣) صحيح البخاري - أحاديث الأنبياء - باب ١٩ - الحديث ٣٣٨٨ (الفتح ٦/ ٤١٨).

<<  <   >  >>