للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتربية القرآن تُنشِئ في نفس المؤمن صورًا من الإحسان؛ لأنه مخاطب بالتأمل فيما أحسن الله إليه من النعم الغامرة، ومطالب بالإحسان إلى الخلق بمثل ذلك: {وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إلَيْكَ} [القصص: ٧٧]، وكم في القرآن من المرغبات للمرء في أن يحسن: لينال محبة الله وليضمن معية التأييد، وعدم ضياع الأجر، وقرب الرحمة منه، وإيتاء الحكم والعلم جزاءً على إحسانه، وله في الآخرة الحسنى وزيادة، والسلام، وما يشاء (١):

وكم من مجالات الإحسان أمام الداعية! فإن أراد الدعوة فبالحكمة والموعظة الحسنة، وإن أراد القول فمَن أحسن منه قولًا؟! وهو الذي يقول للناس حسنًا، وإن أمر فبالعدل والإحسان، وهو الذي يأمر الناس أن يقولوا التي هي أحسن، وإن دفع مخالفيه أو جادلهم فبالتي هي أحسن، وهو يتقلب في صور الإحسان عاملًا بها وداعيًا إليها.

وقد يجد المرء نفسه في حالات الضعف مائلًا عن الإحسان إلى صور لا تليق بالمحسنين؛ كأن يصبح استماعه للمواعظ تتبعًا للهفوات، وتسقطًا للزلات، بينما كان من الذين {يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} [الزمر: ١٨]، وأخطر أمراض الحائدين عن الإحسان أنهم يسيئون ومع ذلك {يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف: ١٠٤]؛ ذلك أن الواحد منهم {زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَنًا} [فاطر: ٨] بسبب انقلاب الموازين لديه وعدم تقبله للنصح وبسبب غلبة الهوى على الرابطة الإيمانية.


(١) إشارة لقوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: ٢٦] {إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: ٥٦] {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ} [الزمر: ٣٤].

<<  <   >  >>