للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بل إن مزيدَ يوم في عُمر المسلم يزداد فيه طاعةً، وينكأ فيه عدوًا، ويَغيظ به كافرًا، ولقد عجب الصحابة رضي الله عنهم من رجلين أسلما معًا، وكان أحدهما أشد اجتهادًا من الآخر، فاستشهد المجتهد، ومات الآخر بعده بسنة، فرأى طلحة بن عبيد الله أن الثاني دخل الجنة قبل صاحبه المجتهد، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من أي ذلك تعجبون؟ فقالوا: يا رسول الله! هذا كان أشد الرجلين اجتهادًا، ثم استشهد، ودخل هذا الآخر الجنة قبله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أليس قد مكث هذا بعده سنة؟ قالوا: بلى، قال: وأدرك رمضان فصام، وصلى كذا وكذا من سجدة في السنة؟ قالوا: بلى، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فما بينهما أبعد مما بين السماء والأرض» (١).

إن المستعدَّ للشهادة حقًّا يكون قد وطن نفسه لما قد يُصيبه من البلاء، وروض نفسه على الصبر عن الفرار، ولو أدى به هذا الصبر إلى الموت، يروي البخاري أن نافعًا سُئل على أي شيء بايع الصحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ على الموت؟ (قال: لا، بل بايعهم على الصبر) (٢)، ويليه في صحيح البخاري حديثٌ عن سلمة يثبت البيعة على الموت، فربط ابن حجر بين الروايتين ربطًا لطيفًا؛ فقال: (ولا تنافِيَ بين قولهم بايعوه على الموت، وعلى عدم الفرار؛ لأن المراد بالمبايعة: ألا يفروا ولو ماتوا، وليس المراد أن يقع الموت ولابد، وهو الذي أنكره نافع وعدل إلى قوله: بل بايعهم على الصبر؛ أي على


(١) صحيح سنن ابن ماجه للألباني - كتاب التعبير - باب ١٠ - الحديث ٣١٧١/ ٣٩٢٥ (صحيح).
(٢) صحيح البخاري - الجهاد - باب ١١٠ - الحديث ٢٩٥٨. وحديث البيعة على الموت ٢٩٦٠.

<<  <   >  >>