للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثبات، وعدم الفرار، سواء أفضى بهم ذلك إلى الموت أم لا) (١)، ويؤكد هذا المعنى أنا أبا أمامة - رضي الله عنه - رجا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث مرات - في مواقف متفرِّقة، أن يدعو له بالشهادة، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يزيد على أن يقول: «اللهم سلمهم وغنمهم» (٢)، فالأصل أن حياة المسلم تزيد سوادَ المسلمين، وتُقوِّي شوكتهم وتَغيظ الكفار، ولكنه مع ذلك مهيأ للثبات، مستعدٌّ للصبر مهما عظم البلاء.

ومثل هذه التربية على الاستعداد للشهادة هي التي تجعل مَن ينشد الشهادة جريئًا في الحق، كما في قوله - صلى الله عليه وسلم -: «أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر» (٣)، ويُعلِّق الغزالي على هذا المعنى فيقول: (ولَما علم المتصلِّبون في الدين أن أفضل الكلام كلمة حق عند سلطان جائر، وأن صاحب ذلك إذا قتل فهو شهيد - كما وردت به الأخبار - قدموا على ذلك موطنين أنفسهم على الهلاك، ومحتملين أنواع العذاب، وصابرين عليه في ذات الله، ومحتسبين لما يبذلونه من مهجهم عند الله) (٤).

وبغير هذه النفسية تكون الأمة غثاءً كغثاء السيل، وتكون نتيجة تلك الغثائية أن الله (ينتزع المهابة من قلوب عدوكم ويجعل في قلوبكم الوهن)، ولما


(١) فتح الباري ٦/ ١١٨، عند شرحه للحديث ٢٩٥٨.
(٢) مسند أحمد ٥/ ٢٤٨، وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح - بلوغ الأماني ٢٢/ ٣٩٢ - .
(٣) صحيح سنن أبي داود للألباني - كتاب الملاحم - باب ١٧ - الحديث ٣٦٥٠/ ٤٣٤٤ (صحيح).
(٤) إحياء علوم الدين ٢/ ٣٤٣.

<<  <   >  >>