للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الخطب، فاسدد أبواب الشيطان، وقدر المصالح والمفاسد.

وفي سنن أبي داود حديث بهذا المعنى، فقد ورد أن رجلًا وقع بأبي بكر فآذاه - بحضرة النبي - صلى الله عليه وسلم - ولما آذاه الثالثة انتصر منه أبو بكر، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين انتصر أبو بكر، (فقال أبو بكر: أوجدتَ عليَّ يا رسول الله! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «نزل ملك من السماء يكذبه بما قال لك، فلما انتصرت وقع الشيطان، فلم أكن لأجلس إذ وقع الشيطان» (١).

قال الخطابي في شرح الحديث: (إنما وقع الشيطان حين انتصر أبو بكر؛ لأن انتصاره يغري صاحبه - سيما وقد بدا الشر منه بتكرير الإساءة - بالتزيد والتمادي، فيكون ذلك سببًا في تفاقم الخطب) (٢).

والمغلوب على أمره يتأسى بنوح عليه السلام حينما عجز عن قومه: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ} [القمر: ١٠] أما القادر على الانتصار - بقيوده وشروطه الشرعية) (٣) - فلا عذر له في الخنوع والاستكانة للظالمين.

فأما قوله تعالى {وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} [الشورى: ٤٣]، فقد قال فيه القرطبي: (هو محمول على الغفران عن غير المصرِّ، فأما المصرُّ على البغي والظلم فالأفضل الانتصار منه) (٤)، وأما كظم الغيظ، فمستحسن ومندوب إليه بعد التمكن من الظالم


(١) صحيح سنن أبي داود للألباني - كتاب الأدب - باب ٤٩ - الحديث ٤٠٩٤/ ٤٨٩٦ (حسن).
(٢) شرح سنن أبي داود (معالم السنن للخطابي ٥/ ٢٠٤).
(٣) من القيود والضوابط التي أشير إليها في الانتصار من الظالم المسلم: - أن يكون العفو عنه يجرؤه - أو أن يكون مسترسلًا في ظلمه ومصرًا عليه - كما أن من قيود المنتصر ألا يتعدى بأكثر مما ظلم - وألا يؤدي انتصاره إلى شر أكبر من المظلمة بحسب توقعه وراجح ظنه.
(٤) تفسير القرطبي ١٦/ ٣٩.

<<  <   >  >>