وروى البيهقي في «دلائل النبوة» من طريق علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه؛ قال: انتهى النبي صلى الله عليه وسلم إلى رسم قبر، فجلس وجلس الناس حوله كثير، فجعل يحرك رأسه كالمخاطب، قال: ثم بكى، فاستقبله عمر رضي الله عنه، فقال: ما يبكيك يا رسول الله؟ قال:«هذا قبر آمنة بنت وهب، استأذنت ربي في أن أزور قبرها فأذن لي، واستأذنته في الاستغفار لها فأبى عليَّ، وأدركتني رقَّتها فبكيت». قال: فما رُئي ساعة أكثر باكياً من تلك الساعة.
وروى البيهقي أيضا في «دلائل النبوة» عن مسروق بن الأجدع عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه؛ قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر في المقابر، وخرجنا معه، فأمرنا فجلسنا، ثم تخطَّى القبور حتى انتهى إلى قبر منها، فناجاه طويلاً، ثم ارتفع نحيب رسول الله صلى الله عليه وسلم باكياً، فبكينا لبكاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل إلينا، فتلقَّاه عمر بن الخطاب، فقال: يا رسول الله! ما الذي أبكاك؟ لقد أبكانا وأفزعنا، فجاء، فجلس إلينا، فقال:«أفزعكم بكائي؟»، فقلنا: نعم يا رسول الله! فقال: «إنَّ القبر الذي رأيتموني أناجي فيه قبر آمنة بنت وهب، وإني استأذنت ربي في زيارتها، فأذن لي فيه، واستأذنت ربي في الاستغفار لها، فلم يأذن لي فيه، ونزل عليَّ:{مَا كَانَ للنَّبِيِّ والَّذينَ آمنُوا أَنْ يَسْتَغْفِروا للمُشْرِكينَ} حتى ختم الآية: {ومَاَ كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهيمَ لأبِيه إِلَّا عَنْ مَوِعدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّن لهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ للهِ تَبَرَّأ منهُ}، فأخذني ما يأخذ الولد للوالدة من الرقة؛ فذلك الذي أبكاني».
وهذه الأحاديث التي وردت في منع النبي صلى الله عليه وسلم من الاستغفار لأمه