وقد كان السلف الصالح يتورَّعون عن الفتيا بغير علم، وإذا سُئل أحدهم عمَّا لا علم به؛ لم يأنف أن يقول: لا أعلم هذا، أو يقول: لا أدري، أو يقول: سل عن هذا غيري.
وهذا بخلاف ما عليه بعض المنتسبين إلى العلم في زماننا؛ فإن كثيرا منهم يتسرعون إلى الفتيا بغير علم، ويأنف أحدهم أن يقول فيما لا يعلمه: لا أعلم هذا، أو: لا أدري، أو يقول: سل عن هذا غيري! ويرون في الإحجام عن إجابة السائل غضاضة عليهم، وما علموا أن الخطر العظيم في التسرع إلى الفتيا بغير علم.
وقد تقدَّم قول ابن مسعود رضي الله عنه:«أيها الناس! مَن سُئل عن علم يعلمه؛ فليقل به، ومَن لم يكن عنده علم؛ فليقل: الله أعلم؛ فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم: الله أعلم».
وذكر ابن عبد البر بإسناده عن ابن سيرين؛ قال:«لم يكن أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم أهيب لما لا يعلم من عمر، وإن أبا بكر نزلت به قضيَّة، فلم يجد في كتاب الله منها أصلا ولا في السنة أثراً، فاجتهد رأيه، ثم قال: هذا رأيي، فإن يكون صوابا؛ فمن الله، وإن يكون خطأ؛ فمني، وأستغفر الله».
وروى ابن عبد البر أيضا عن أبي معمر - واسمه عبد الله بن سخبرة الأزدي - عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه: أنه قال: «أي سماء تظلني، وأي أرض تقلَّني، إذا قلتُ في كتاب الله بغير علم؟!».
قال ابن عبد البر:«وذَكَر مثلَ هذا عن أبي بكر رضي الله عنه ميمون ابن مهران وعامر الشعبي وابن أبي مليكة».