فاقتضى الأمر من أجل ذلك، تبصير المسلمين على اختلاف ثقافاتهم وقدراتهم ومستوياتهم، ممن أخلصوا لله في دينهم وإيمانهم، بالسبيل الذي يجب أن تنضبط به عملية الدعوة إلى الإسلام، على ضوء أوضاعنا القائمة اليوم. سواء فيها ما كان متعلقاً بالمسائل العلمية المتعلقة بهذا الصدد، وما كان متعلقاً بأمر النفس وتزكيتها، وما كان منها متعلقاً بالسياسة الشرعية المتعلقة بالدعوة ذاتها.
وإن بحث هذه المسائل ليحتاج إلى مجلد كبير لكي تستوعب فيه على نحو وافً مبسط.
غير أن الوقت اعجل من ذلك.
إنه أعجل من ذلك، لأن المهمة الملقاة على أعناق المسلمين جميعاً، بصدد واجب الدعوة إلى الله، لا تمهل ولا تنتظر الوقت الذي ينضح فيه مثل هذا المجلد ويتكامل إخراجه.
وهو أعجل من ذلك، لأن مثل هذا المجلد الكبير، سيكون خطاباً للخاصة من المسلمين دون غيرهم، وإنما نريده منهاجاً يوضع تحت يد كل مسلم بصير بدينه مخلص في القيام بواجب ربه عليه.
وهو أعجل من ذلك، لأنني لا أجد لدي من الوقت ما يتسع لعرض تفصيلات واسعة في هذا الصدد، قد يستغرق مني زمناً طويلاً لا ادري هل يكون في الاجل متسع له، مع كل ما قد تراه حولنا من مشكلات الدعوة، وحاجاتها الملحة المستعجلة.
لذا، وجدت في بحوث هذه السلسلة، ما ينجدني في كتابة خلاصة جامعة لكل ما يجب أن يلم به الداعي إلى الله عز وجل. وعلى كل مسلم اليوم (١) [١] أن يكون داعياً إلى الله، جهد استطاعته، ولكن ببصيرة وعلى هدي من آداب هذه الدعوة وشروطها.
وقد كنت، ولا أزال، أحرص على أن تكون هذه البحوث علاجاً لقمة ما يشغل بال المسلمين بل الناس اليوم، من أمور الفكر والثقافة، وأن أحزم كل مسائلها ضمن أسلوب يجمع، قدر الإمكان، بين الاستيعاب والإيجاز والإيضاح.
فذلك هو السبيل الوحيد لفتح مغاليق هذه البحوث أمام طبقات الناس المثقفين جميعاً، ومن ثم يتيسر لنا جميعاً أن نبذل جهوداً مشتركة عامة، لا تعلو فيها طبقة على أخرى، من أجل حل معضلاتنا والقيام بواجباتنا والسير معاً إلى غاياتنا.
رسالة الدعوة إلى الإسلام، ما أراداها إلا من أهم هذه البحوث التي تشغل فعلاً بال كل مسلم صادق في إسلامه.
فهي ضرورية في حياتنا جداً، ولكنا نخوض فيها من دون دراية وتسلّح بالضوابط والكوابح التي لا بد منها خطير جداً.
ولعل الله يوفقني في الصفحات التالية. لبيان السبيل الذي يضمن لنا القيام بهذا الواجب الضروري، مكلوءاً برعاية ضوابطه وآدابه وأحكامه التي لا بد منها.
إنه ولي كل هداية وتوفيق.
(١) نقصد بكل مسلم اليوم، آحاد المسلمين، ممن يملكون القدرة على الدعوة بياناً وحجة باللسان، ولسنا نقصد هنا الواجب الذي وضعه الله تعالى في أعناق الحاكمين وأولي الأمر، ممن يملكون أكثر من وسيلة الحجة والبيان، ألا وهي قوة الحكم والإلزام.