للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وسبب دخول هذه السيول إلى المسجد الحرام هو الموقع الجغرافي لمكة المكرمة، إذ أنها واقعة في وادٍ تحف به الجبال من كل جانب، فإذا نزلت الأمطار عليها بشدة نزلت المياه من جميع الجبال، ومن المرتفعات وغيرها إلى المواضع المنخفضة بمكة، فتجمعت في أزقتها وشوارعها، وإذا زادت الأمطار في ضواحيها جاءت السيول من أعاليها من جهة منى إلى داخل مكة، فتدخل المسجد الحرام فتحدث به الأضرار الجسيمة، وكذا تفعل بالبيوت القديمة الواقعة حوله (١).

مجرى السيل بمكة قديمًا:

كانت السيول قديمًا تنزل من جهة منى ومن جهة حراء إلى مكة، ثم ينزل بطن الوادي من طريق المدعى أي من الموضع الذي كان يرى منه البيت الحرام، وكان هذا الموضع في عهده - صلى الله عليه وسلم - غير مرتفع، ولم يرتفع إلَّا بعد أن ردمه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالصخور العظام ليمنع السيل عن المسجد الحرام، وكان يسمى "ردم بني جمح".

وبعد حدوث هذا الردم امتنع السيل من الدخول من جهة المدعى، لكنه صار يأتي من جهة سوق الليل ومن جهة الغزة إلى جهة الحرم ومنه إلى المسفلة، ولكن هناك سيل يسمى "سيل جياد" كان يسيل كل عشر سنوات ويصطدم بسيل وادي إبراهيم فيوقفه عن المسيل فيدخل المسجد الحرام، كما ذكر ذلك القطبي في "الإِعلام" وأيده عليه المؤرخ الكردي رحمهما الله (٢).

ثم قال الكردي بعد أن ساق كلام القطبي: فمن عصره بل من قبل عصره [أي من القرن العاشر] والسيول لا تزال تدخل المسجد الحرام إذا عظمت وقويت إلى عصرنا هذا، أي إلى سنة ١٣٧٥ هـ، ألف وثلاثمائة وخمس وسبعين هجرية.

ثم لما ابتدأوا بتوسيع المسجد الحرام في السنة المذكورة عملوا نفقًا خاصًّا للسيول خلف المسعى من جهة الصفا تمر منه السيول وتخرج إلى المسفلة من جهة


(١) التاريخ القويم: ٢/ ١٩٣.
(٢) السابق: ٢/ ٢٠٢.

<<  <   >  >>