[بيان أن الخطابَ في سد مواقع الهدم يتوجه إلى مياسير المسلمين ولا يجب رفعه إلى الخليفة]:
وقد قدّمنا أن من جملة حِكَم توجّه خطاب العمارة للسلطان الأعظم أنه شرَفٌ -على جعل الفرض فيه متوجهًا لذوي القدرة من المسلمين أجْمَعَ-: الافتياتُ على السلطان الأعظم، وعُظمُ الضرر. ولا كذلك في وضع ما يُسَد به ما ظهر بالانهدام, لأن ذلك بصدد الزوال، ومدار الملوك على ما فيه تخليدُ الذكرِ وتشييدِ القَدرِ كما مر، فيُطلب المبادرةُ بالسدِّ المذكور، ولو من عموم الناس، لعدم الضرر المرتَّب على تعاطي ذلك مع ما فيه من التوصل إلى تطهيره الواجب بنص:{وَطَهِّرْ بَيْتِيَ}[الحج: ٢٦]، فليباشَرْ ذلك وليبادَرْ به.
[ذكر الفرق بين سقوط سقف الحجرة النبوية وسقوط جدران الكعبة الشريفة، والرد على إشكالات قد تعرض]
فإن قيل: من جملة ما قدمت وقست عليه: قصتا الحريق، وأن علماء المدينة وصلحاءها وأميرها وأركان دولتها لم يحدثوا شيئًا حتى رفعوا الأمر لسلطان عصرهم، وجاءهم منه ما يفعلون ففعلوا، فلم يباشروا عمارة ما طاف بالقبر الذي هو أفضل من الكعبة بل أمهلوا يخطيء الأمر، فليكن البيت الحرام فيما ظهر منه بالسقوط كذلك.
قلت: الفرق واضح, لأن في قصة الحريق الأول سقط بالحريق السقف الذي يُخْشى أن يتعلق به طير فيحصل منه بالتلويث لذلك المحل السامي والهرة ونحوهما مما يخشى منه التنجيس، ممنوعة لوجود الحجرة وهي البناء المطيف بالقبور الثلاثة الكريمة، إذ هو مبني قائم، ولا كذلك في مسألتنا، فإنه لا مانع لما يخشى منه التنجيس لداخل البيت، وحفظه من التنجيس واجب، ولا يتم إلَّا بالسد، وما لا يتم الواجب المطلق إلَّا به فهو واجب.