(٢) للعلامة الإِمام جار الله بن ظهيرة بحث في هذه الحيثية في كتابه "الجامع اللطيف" قال رحمه الله تعالى ٥٨ - ٦٠: نقل عن الجاحظ أن الفرقة من الطير من حمام وغيره تقبِل حتى إذا كادت أن تبلغ الكعبة انفرقت فرقتين، فلم يعل ظهرها شيء منها، ونقل عن جمع من العلماء منهم العز بن جماعة ومكي رحمهما الله: أن ما عُوِينَ من ارتفاع الطير على البيت فللاستشفاء، وأنشدوا في ذلك: والطير لا يعلو على أركانها ... إلَّا إذا أضحى بها متألما قال ابن عطية رحمه الله: والقول بأن الطير لا يعلو ضعيف، فإنه يُعَاينُ يعلوه ... قال الزركشي وليس في هذا ما ينافي كلام مكي، انتهى. قال الجد رحمه الله: وتوجيه عدم منافاته أن ما عوين من ذلك قد يكون للاستشفاء، ثم قال: والمعروف عند أهل مكة المشرفة قبل وقتنا هذا ما قاله مكي وابن جماعة وغيرهما، وأما في وقتنا هذا فما قاله ابن عطية، فإن الطيور الآن تعلوه كثيرًا، ويتكرر منها ذلك في الساعة الواحدة وهذا مشاهد لا ينكر، ولعل حدوث ذلك بسبب ما وقع من نقض السقف والتغيرات الواقعة، والله أعلم، انتهى بنصه. أقول: وتوجيه قول الجد رحمه الله ظاهر، إذ يحتمل أنه كان في السقف المنقوض وفيما غير منه شيء من الأرصاد يمنع من ذلك فزال عند النقض والتغيير، والله الموفق، انتهى. ونقل ابن ظهيرة عن التوربشتي في "شرح المصابيح" قوله: ولقد شاهدت من كرامة البيت أيام مجاورتي بمكة أن الطير كان لا يمر فوقه، وكنت كثيرًا أتدبر تحليق الطيور في ذلك الجو فأجدها متجنبة عن محاذاة البيت، وربما انقضت من الجو حتى تدانت فطافت به مرارًا ثم ارتفعت، ثم قال أيضًا: ومن آيات الله البينة في كرامة البيت: أن حمامات الحرم إذا نهضت للطيران طافت حوله مرارًا من غير أن تعلوه، فإذا وقفت عن الطيران وقعت على شرفات المسجد أو على بعض الأسطحة التي حول الكعبة من المسجد، ولا تقع على ظهر البيت مع خلوها عما ينفرها، وقد كنا نرى الحمامة إذا مرضت وتساقط ريشها وتناثر من الأرض حتى إذا دنت من ظهر البيت ألقت بنفسها على الميزاب أو على طرف ركن من الأركان، فتبقى زمانًا طويلًا كهيئة المتخشع لا حراك فيها، ثم تنصرف من غير أن تعل شيئًا من سقف البيت. انتهى كلام ابن ظهيرة رحمه الله.