فرأيت أن آخذ في هذا بما حكاه الفارسي من الإجماع ووافقه القفال واستحسنه إمام الحرمين ـ وناهيك بهم ـ غيره للنبي صلى الله عليه وسلم وصيانة لمنصبه العلي:
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى ... حتى يراق على جوانبه الدم
وإن كان كرم الله ورحمة رسول الله ورأفته تقتضي قبول إسلام هذا الكلب فينفعه في الآخرة، ونحمي حوزة الشرف الرفيع عن بقاء لسان تفوه في حقه بذلك، وقلب خطر ذلك عليه. فقوي عندي أني أحكم بقتله تقربا إلى الله وإلى رسوله، وخفت من جاهل أو ذي ضغن يعترض علي ويقول: المشهور من مذهب الشافعي خلافه، والأستاذ أبو إسحاق يقول بسقوط القتل وغيره، والصيدلاني يقول بسقوط القتل ولكن يجب جلد ثمانين، وعلمي محيط بذلك، ولكني أقول:
إن الأستاذ والصيدلاني قد يكونان لم يطلعا على الإجماع الذي نقله الفارسي، لا سيما والفارسي متقدم، فإن وفاته في سنة خمس وثلاثمئة، ووفاة الأستاذ سنة ثماني عشرة وأربعمئة، والصيدلاني إما في وقت الأستاذ وإما بعده، فنقل الإجماع من الفارسي قبلهما بأكثر من مئة سنة، فلا يسمع خلافهما حتى يبينا خلافًا متقدمًا.
ولو فرضنا أنه لا إجماع وأنها من محال النظر فالنظر يقتضي القتل، لأن حد القذف لا يسقط بالإسلام والتوبة، ولا يسقط إلا بإبراء صاحبه أو وراثه، وإبراء صاحبه هنا متعذر.