لقيه وصحبه، وسبق أن مرَّ في الأدلة في أوَّل هذا الرَّدِّ ما يوضح ذلك.
خامساً: ما ذكره من أنَّ الصُّحبةَ حيث وردت تُقصَر على المهاجرين والأنصار قبل الحديبية، يُجاب عنه بأنَّ لفظَ الصُّحبة مثل لفظ الإيمان يشترك فيه كلُّ مؤمن ومسلم مع التفاوت الكبير بينهم فيه، وكذلك الصُّحبة يشترك فيها كلُّ صحابيٍّ طالت صُحبتُه أو قصُرت مع التفاوت الكبير بين الصحابة في الفضل، ونظير ذلك في المحسوسات البصر، فإنَّ أهلَه متفاوتون فيه، منهم مَن هو حادُّ البصر يرى الهلال، ويرى من مسافات بعيدة، ويرى الشيءَ الدَّقيق، ومنهم مَن دون ذلك، ومنهم مَن هو ضعيف النَّظر لا يرى إلاَّ الشيءَ القريب والشيء الكبير، ومنهم مَن يُبصرُ الخطَّ الدقيق، ومنهم من لا يُبصر إلاَّ بزجاجة، وهم مشتركون جميعاً في أنَّهم مُبصرون ليسوا من أهل العمى، وسبق أن مرَّ الكلامُ على حديث:((لا تسبُّوا أصحابي)) عند ذكر المالكي خالد بن الوليد وأنَّه ليس من الصحابة بزعمه.
سادساً: هذا الرأي الفاسد للمالكي وهو قَصْر الصُّحبة على المهاجرين والأنصار قبل الحديبية لَم يَجد له سلفاً فيه خلال ما مضى من قرون مع حِرصِه الشديد على وجود سلف، وقد أعلن إفلاسَه من وجود سلف بقوله هنا بأنَّه سبقه إلى ذلك شخصٌ من المعاصرين، وهو عبد الرحمن الحكمي، أمَّا ما ذكره عن النخعي وابن عبد البر فلَم يذكر كلامَهما حتى يُمكن النَّظر فيه من حيث الثبوت ومن حيث المعنى، وقوله:((وقد سبقنِي لكن بألفاظ مقاربة بعضُ العلماء، منهم إبراهيم النخعي وابن عبد البر)) ، أقول: تعبيره بقوله: ((بألفاظ مقاربة)) يدلُّ على عدم اطمئنانه إلى معنى ما عزاه إليهما.