المسلمون والكفَّار ولَّى المسلمون مُدبرين، فطَفِق رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُركضُ بغْلَتَه قِبَل الكفَّار، قال عباس: وأنا آخذٌ بلجام بغلةِ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أكفُّها إرادةَ أن لا تُسرِع، وأبو سفيان آخذٌ برِكاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ... )) الحديث.
وهذان الصحابيان الجليلان عمُّه وابنُ عمِّه اللذان ثَبَتَا مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولَم يفِرَّا يوم حُنين وقد عادت مصلحةُ إسلامهما في هذه الغزوة على الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لا يعتبرهما المالكي من الصحابة؛ لأنَّ إسلامهما بعد الحُديبية، وهو يقصُر الصُّحبة على المهاجرين والأنصار قبل الحُديبية.
الخامس: أنَّ قولَه: ((أمَّا بعد فتح مكة فأصبح الالتحاق بالمسلمين يعني الغنيمة والسلامة؛ لكثرة المال وأمن القتل)) غيرُ صحيح؛ لأنَّ المجاهدَ في سبيل الله ليست سلامتُه من القتل مُحقَّقةً؛ فإنَّه قد يُقتل وقد يسلَم.
السادس: أمَّا ما ذكره من أنَّ أبناءَ المهاجرين لا يدخلون في المهاجرين، وأنَّ أبناءَ الأنصار لا يدخلون في الأنصار، وقد قصَر الصُّحبة على المهاجرين والأنصار، فمُقتضاه أنَّ أبناء المهاجرين والأنصار ليسوا من الصحابة، وسبق أن ذكرتُ أنَّ مَن رأى النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أبناء المهاجرين والأنصار فهو من الصحابة، بخلاف مَن لَم يرَه منهم.
* * *
استدلالُه بآيات سورة الحشر والرد عليه:
وقال في (ص:٣٠ ـ ٣١) : ((الدليل الثالث: وهو مفسِّرٌ للدليل السَّابق، وهو قول الله عزَّ وجلَّ: {لِلْفُقَرَاءِ المُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ الله وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ الله وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ