الرابع: أنَّ ما ذكره عن المهاجرين بعد الحُديبية وقبل فتح مكة من أنَّ ((الهجرة تعود على نفس المهاجر بالمصلحة، بعد أن كانت قبل ذلك تعود على النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالمصلحة وعلى المهاجر أيضاً)) غير صحيح؛ فإنَّ المصلحة تعود بجهاد مَن جاهد منهم على النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والمسلمين، ومن أوضح الأمثلة لذلك ما حصل لخالد بن الوليد رضي الله عنه من البلاء الحسن في الغزوات التي شهدها، ومنها غزوة مُؤْتة التي أمَّر نفسَه فيها بعد استشهاد الأمراء الثلاثة الذين عَيَّنَهم الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وما حصل من الفتح للمسلمين في إمارته، فقد روى البخاري في صحيحه (٤٢٦٢) بإسناده عن أنس رضي الله عنه: ((أنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَعى زيداً وجعفراً وابنَ رواحة للناس قبل أن يأتيَهم خبرُهم، فقال: أخذ الرايةَ زيدٌ فأُصيب، ثمَّ أخذ جعفرٌ فأُصيب، ثمَّ أخذ ابنُ رواحة فأُصيب ـ وعيناه تذرفان ـ حتى أخذ الرايةَ سيفٌ من سيوف الله حتى فتح الله عليهم)) .
وهذا السيف من سيوف الله لَم يظفر بشرف الصُّحبة لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على رأي المالكي الباطل الذي قَصَر فيه الصُّحبة على المهاجرين والأنصار قبل الحُديبية.
ومن أوضَح الأمثلة أيضاً ثبوت العباس بن عبد المطلب وأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ـ وهو من الطُّلقاء ـ مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حينما انهزم الناسُ يومَ حُنين، ففي صحيح مسلم (١٧٧٥) من حديث العباس رضي الله عنه قال: ((شهدتُ مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم حنين، فلزمتُ أنا وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلَم نفارِقه، ورسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على بغلةٍ له بيضاء، أهداها له فروة بن نُفاثة الجذامي، فلمَّا التقى