للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عبد الرحمن بن جبير بن نُفير، عن أبيه قال: ((جلسنا إلى المقداد بن الأسود يوماً، فمرَّ به رجلٌ، فقال: طوبَى لِهاتَين العينين اللَّتين رأَتا رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والله! لوَدِدنا أنَّا رأينا ما رأيتَ، وشهدنا ما شهدتَ، فاستُغضِب، فجعلت أَعْجَب: ما قال إلاَّ خيراً! ثمَّ أقْبَلَ عليه فقال: ما يَحمل الرَّجلَ على أن يتمنَّى مَحضراً غيَّبه الله عنه؟ لا يدري لو شَهدَه كيف يكون فيه؟ والله! لقد حضر رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أقوامٌ كبَّهم الله على مناخرِهم في جهنَّم؛ لَم يُجيبوه ولَم يُصدِّقوه، أوَ لا تَحمدون الله عزَّ وجلَّ إذ أخرجكم لا تعرفون إلاَّ ربَّكم فتُصدِّقون بِما جاء به نبيُّكم - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قد كُفيتُم البلاء بغيركم ... )) الحديث.

وعبد الله الذي في الإسناد هو ابن المبارك، وهو ثقة، أخرج له الجماعة، والثلاثة الذين فوقه ثقات، أخرج لهم البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن، والراوي عن ابن المبارك، قال عنه الحافظ في التقريب:

((صدوق)) ، وقد رواه عن ابن المبارك جمعٌ، منهم: يَعمر بن بشر في مسند الإمام أحمد (٦/٣) ، وحسين بن حسن في الآحاد والمثاني لابن أبي عاصم (٢٩٢) ، وقد أورد الحديثَ ابنُ كثير في تفسيره في آخر سورة الفرقان من مسند الإمام أحمد، وقال: ((هذا إسنادٌ صحيح ولَم يخرجوه)) .

وهو يدلُّ على أنَّ التابعين يَرون أنَّ شَرَفَ الصُّحبةِ يَحصُل برؤيتِه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مع الإيمان به؛ ولَم يُنكر ذلك المقداد رضي الله عنه، وإنَّما غضب لِتمنِّي أمرٍ لا يدري المُتمنِّي ماذا يكون حالُه عند حصولِه، وهذا الذي غضب منه المقداد نظيرُ ما جاء في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة: أنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ((لا تَتمنَّوا لقاءَ العدوِّ، وسلُوا الله العافيةَ، وإذا لقيتُموه فاصبِروا، واعلموا أنَّ الجنَّةَ تحت ظلالِ السيوف)) ؛ لأنَّ متمنِّيَ لقاء العدوِّ لا يدري

<<  <   >  >>