ويدلُّ لذلك أيضاً ما رواه البخاري في صحيحه (٢٩٨٤) عن عائشة رضي الله عنها أنَّها قالت: ((يا رسول الله! يرجع أصحابُك بأجر حجٍّ وعمرةٍ، ولم أزِدْ على الحج؟)) الحديث.
وفي حديث عائشة في صحيح مسلم (٢/٨٧٥) قالت: ((خرجنا مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُهِلِّين بالحج؟ ... فخرج إلى أصحابه، فقال: مَن لَم يكن معه منكم هَدْيٌ فأحبَّ أن يجعلها عمرةً فليفعل، ومَن كان معه هديٌ فلا، فمنهم الآخذ بها والتَّاركُ لها مِمَّن لَم يكن معه هديٌ، فأمَّا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فكان معه الهدي، ومع رجال من أصحابه لهم قوَّة، فدخل عليَّ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنا أبكي، فقال: ما يبكيك؟ قلتُ: سمعتُ كلامك مع أصحابك فسمعت بالعمرة فمُنِعتُ العمرة، قال: وما لك؟ قلت: لا أصلِّي)) الحديث.
فذِكرُ أمِّ المؤمنين عائشةَ رضي الله عنها أصحابَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في هذه المواضع الثلاثة لا يدلُّ على إخراجها منهم، بل إنَّه يدلُّ على أنَّ كلَّ الذين صحبوه في حجَّته هم من أصحابه. وهذا الذي جاء عن العباس وابنه وابن الزبير وعائشة رضي الله عنهم له نظائرُ كثيرةٌ في كلام أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ورضي الله عنهم، وهو واضحٌ في عدم خروج المتكلِّم به ومَن يخاطبه مِن أن يكون مِن أصحاب النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
الثالث: أنَّ ما زعمه المالكي مِن كون العباس وابنه عبد الله رضي الله عنهما لَم ينالا شرفَ صحبة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، هو من الجفاء في بعض أهل البيت من أصحابه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقد قال شيخُ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (٤/٤١٩) : ((وأبعدُ الناس عن هذه الوصيَّة ـ يعني وصيَّةَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أهل بيته ـ الرافضةُ؛ فإنَّهم يُعادون العباسَ وذرِّيَّتَه، بل يعادون جمهورَ أهل البيت ويُعينون الكفارَ عليهم)) .