بخطه فرأيت ذلك أبعد مما سبق، بل من المستحيل. وقد جهدت في التماس العذر لأستاذنا الكبير فيما ذهب إليه، فلم أجد إلى ذلك سبيلًا.
وسألني الحاج الحبيب في اليوم التالي عن رأيي في الكتاب، فلما أنبأته به أمرني أن أكتب مقالًا عنه، فاعتذرت إليه وقلت: إن أولى من ينهض بنقد هذا الكتاب هو الدكتور جليل العطية المقيم بباريس، إذ رأيته يحيل على نسخته الباريسية الفريدة في تحقيق كتاب الحنين إلى الأوطان لابن المرزبان الكرخي المنشور في مجلة المورد (عدد ربيع ١٩٨٧ م)، فهو مطلع على النسخة الأصلية، وعارف بعجزها وبجرها. ولكن الحاجّ ألح عليّ، وكلّ ما ذكرته مما أحسبه حجّةً لي، للتنصّل مما يديرني عليه، جعله حجّةً عليّ، وقال: إن كلّ محقق غايته الوصول إلى الحق وتقريره والصدع به، بيد أنه قد يخفى عليه الحق ويعزب عنه، لما يعتري البشر من الذهول والغفلة، ولا غضاضة في ذلك، فيجب على من عرف الحق -ولو كان أقلّ منه علمًا- أن يبيّنه عليه؛ فإن في ذلك خدمةً للعلم، ونصحًا للمحقق، ومعونًة للدارسين.
وقد نويت أن أقصر مقالي على أمرين، وهما كون النسخة بخط المؤلف، وكونها مذيلة بتعليقات الوزير المغربي؛ ولكن رأيت أن أشفعهما بالتنبيه على جملة تصفحيات وأخطاء في الضبط قد وجدت في النسخة فتابعها المحقق، لأن وجود مثلها في النسخة يؤكد ما ذهبت إليه في الأمرين المذكورين.
أولًا: هل النسخة بخط المؤلف؟
قد سبق أن المحقق الفاضل زعم أن نسخة الكتاب الفريدة المحفوظة في المكتبة الوطنية بباريس هي بخط المؤتلف، فقال في أول مقدمته (ص ٥):
"وتعود نفاسة هذا الكتاب إلى أنه جاء بخط مؤلفه ... ".